تعريف الميزانية العامة وخصائصها
أولاً: مفهوم الميزانية العامة ووظائفها
تعرف الميزانية العامة على أنها تقدير لإيرادات الدولة نفقاتها خلال فترة زمنية تحدد عادة بسنة. ويتضح من هذا التعريف أن الميزانية هي تقدير لفترة مقبلة. وتختلف الميزانية بهذا عن الحساب الختامي للدولة والذي يظهر ما تم إنفاقه وما تم تحصيله بالفعل خلال السنة المالية المنصرمة وهناك العديد من العوامل التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند إجراء تقديرات الميزانية، نذكر منها:
1. برنامج عمل الحكومة الاقتصادي والاجتماعي الذي ترغب الحكومة في تنفيذه خلال فترة الميزانية.
2. قراءة لما تم إنفاقه وتحصيله فعلاً خلال عدد من الميزانيات السابقة مع التركيز على ميزانية السنة الأخيرة.
3. الأحوال الاقتصادية والاجتماعية السائدة عالمياً ومحلياً وخصوصاً تلك التي تؤثر في إيرادات الدولة بشكل ملموس.
4. دور الدولة في الاقتصاد، وذلك مقارنة بدور القطاع الخاص.
وتقوم بإعداد الميزانية في العادة السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة المالية (أو زارة الخزانة) وذلك بالتعاون مع جميع الوزارات والمؤسسات وكافة الأجهزة الحكومية الأخرى. ويقع إقرار الميزانية على عاتق السلطة التشريعية ممثلة في برلمان الدولة أو مجلس وزرائها. وبهذه الموافقة فإن السلطة التشريعية في الدولة تضمن أن تتم إجراءات الإنفاق والإيرادات وفقاً لجميع القواعد والنظم والتشريعات المالية المعمول بها في الدولة. كما أنها تضمن تمشي النفقات والإيرادات مع برنامج عمل الحكومة ومتطلبات تلك المرحلة.
ولذلك فإن على المجتمع من خلال حكومته أن يحدد مستوى مختلف الأنشطة اللازمة لتحقيق أهدافه. كما يلزم أيضاً تحديد المبالغ المالية التي يجب إنفاقها على كل نشاط، بالإضافة إلى تحصيل الإيرادات العامة اللازمة لتغطية تلك النفقات. ومن أجل تسهيل عملية اتخاذ مثل هذه القرارات فإن على الحكومة أن تقوم بوضع الميزانية العامة. وهذه تمثل أسلوباً منتظماً من الإجراءات لوضع مقترحات بتقدير النفقات والإيرادات العامة لفترة مقبلة، تتقدم به السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية. وعلى هذا، فإن الميزانية العامة ليست سوى خطة مالية يقوم على أساسها اتخاذ القرارات الخاصة بحجم ونوع النفقات والإيرادات العامة للدولة لفترة قادمة. وبعبارة أخرى، فإن الميزانية العامة تعتبر برنامجاً مالياً يتضمن السياسات المالية والأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها.
خصائص الميزانية العامة في الحكومات المعاصرة تتركز في الأمور التالية:
1. الميزانية العامة هي تقدير مفصل للنفقات والإيرادات العامة. وهذه من الخصائص المهمة للميزانية، حيث تتميز بها عن الميزانيات الختامية التي تعبر عن الأرقام الفعلية. ومدى الدقة في التقديرات يشكل عاملاً مهماً في كسب الثقة بأعمال الحكومة من قبل المجتمع السلطة التشريعية. وتختلف دقة تقديرات النفقات العامة على حسب الأنواع المختلفة لتلك النفقات. فهناك نفقات يسهل تقديرها بدقة، وقتوم أساساً على افتراض استمرارية النفقات العامة للعام الحالي، أ أنها تكون معلومات القيمة مسبقاً للحكومة كأن تكون على شكل التزامات على الحكومة مثل رواتب الموظفين وأقساط الدين العام. وهناك أنواع أخرى من النفقات يصعب تقديرها بدقة، حيث يعتمد التقدير على عوامل يصعب السيطرة عليها. وثمال ذلك: النفقات الاستثمارية الجديدة، حيث أن أمر تقديرها يتطلب دراسات أولية تقدر على أساسها مبالغ تكاليف تلك المشروعات. وهناك بعض العوامل التي يصعب التحكم فيها وتؤثر على هذه التكاليف، مثل التغيرات في مستويات الأسعار والأجور في فترة مقبلة، علاوة على صعوبة خضوع بعض أنواع التكاليف للقياس الكمي.
أما بالنسبة لتقدير الإيرادات العامة، فإنه بالرغم من أنها تتوقف على القوانين والتشريعات الضريبية القائمة، إلا أن تقدير ما سيتم تحصيله من تلك الإيرادات يتأثر بمستوى النشاط الاقتصادي للفترة المقبلة، بالإضافة إلى بعض العوامل الاجتماعية. لذا فإن بعض الدول تلجأ إلى وضع تقديرات الإيرادات العامة عند حدها الأدنى الذي يمكن تحصيله. ومن أجل سهولة تقبل تلك التقديرات والموافقة عليها من قبل السلطات المختلفة، فإن ذلك يقتضي أن يتضمن مشروع الميزانية الجارية، بالإضافة إلى المقترحات الخاصة بتقديرات للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتوقع أن يكون خلال الفترة التي يشملها تقدير النفقات والإيرادات العامة. وهذه غالباً ما تكون صورة موجزة عن مختلف العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تؤثر على تلك التقديرات.
2. الميزانية العامة تكون لفترة زمنية محدودة. وهذه الخاصية تتناسب مع سابقتها، وهي الصفة التقديرية للميزانية، حيث أنه لا يمكن تقدير النفقات والإيرادات لفترة غير محدودة. بالإضافة إلى أن هذه الخاصية تتضمن استمرارية وتجدد رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية في كل فترة. زيادة على أن الميزانية تعتبر برنامج عمل السلطة التنفيذية وتمنح على أساه الثقة، وبالتالي يجب تنفيذه في خلال فترة محدودة. وسنرى فيما يلي بعد الأسباب الرئيسية لذلك الاختيار.
3. الميزانية العامة تصدر بموافقة السلطة التشريعية وإقرارها. هذه الخاصية تعتبر مهمة بالنسبة لمجتمع ديمقراطي يحاول من خلال حكومته تبني برنامج عمل وفقاً لتفضيلاته. لذا نجد أن إقرار الميزانية يقع على السلطة التشريعية كممثلين عن الناخبين أفراد المجتمع. بالإضافة إلى أن هذه الموافقة المسبقة تضمن أن يكون الإنفاق الفعلي وفقاً للتشريعات المالية الموضوعة. وتتضمن خاصية إقرار السلطة التشريعية للميزانية أيضاً منح السلطة التنفيذية الإذن المسبق بالإنفاق وجباية الإيرادات، حيث لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تنفق أي مبلغ من المال قبل الحصول على مثل هذا الإذن من السلطة التشريعية. وهذا يعني أن ما يتم تخصيصه من أموال على أوجه الإنفاق المختلفة تمثل الحدود العليا لما يمكن إنفاقه من قبل السلطة التنفيذية. أما بخصوص إجازة جباية الإيرادات فهذا يعني أن على السلطة التنفيذية أن تقوم بعملية الجباية وفقاً للأسس والقواعد الموضوعة لذلك. ولا تمثل أرقام تقديرات الإيرادات الحد الأقصى الذي لا يمكن تجاوزه. ولكن يمكن تجاوز هذه التقديرات الواردة في الميزانية.
4. الميزانية العامة تعكس أهداف الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ازدادت أهمية هذه الخاصية بعد أن تطور دور الدولة وزاد نشاطها الاقتصادي والاجتماعي. فأصبحت الميزانية العامة هي الأداة الرئيسية في يد الحكومة لتحقيق أهدافها في المجالات المختلفة. وتعتبر الميزانية العامة هي الإطار المنظم لأدوات السياسة المالية، وما تسعى إلى تحقيقه من أهداف اقتصادية واجتماعية، كما برزت أهمية الميزانية كبرنامج سياسي يعكس الأهداف الضمنية والاتجاهات السياسية للسلطة الحاكمة. حيث إنه في مجتمع ديمقراطي تتعدد فيه الأحزاب السياسية التي تسعى إلى الوصول إلى الحكم، تحاول هذه الأحزاب ان تتبنى عدداً من السياسات المالية ذات الأهداف السياسية والاجتماعية، حتى تضمن للحزب غالبية أصوات الناخبين. وحتى في المجتمع الذي يسيطر عليه حزب واحد فإن أولويات الإنفاق العامة يمكن أن تقرر كنتيجة إلى تبادل الأصوات بين أعضاء الحزب. بالإضافة إلى أن فئات الضغط الاجتماعي يمكن أن تقوم ببعض الضغوط كمحاولة للتأثير على أرقام الميزانية العامة.
وظائف الميزانية العامة:
عند النظر في طبيعة مفهوم الميزانية العامة يمكن أن نستنتج أن الميزانية تقوم بوظائف رئيسية أهمها:
1. أنها أداة رقابة على النشاط المالي للدولة: يمكن للسلطة العليا من خلال الميزانية أن تراقب سلامة تنفيذ القرارات وفقاً للقوانين والأنظمة الموضوعة. وكذلك من خلال الميزانية يمكن للسلطة التشريعية أن تراقب نشاط السلطة التنفيذية، وبالتالي تضمن حماية الموارد العامة من سوء الاستغلال.
2. الميزانية تعتبر أداة إدارية هامة: حيث أنها تشمل جميع نشاطات الحكومة، وأن الوحدات الإدارية هي التي ستقوم بتنفيذ تلك النشاطات. ومن ثم، فإنه من خلال الميزانية يمكن التعرف على الأجهزة التنظيمية والمسئوليات التي تقوم بها كل وحدة إدارية، وبذلك يمكن للحكومة متابعة الأداء لكل وحدة حسب ما تقوم به من أعمال.
3. الميزانية تعتبر أداة تخطيط للمستقبل: حيث تعكس الأهداف المرجو تحقيقها والسياسات التي تحقق هذه الأهداف، وعلى هذا فإن الميزانية هي أداة تساعد المجتمع في التحرك نحو أهدافه.
4. تخصيص الموارد لإشباع الحاجات العامة: ووفقاً لهذه الوظيفة تباشر الموازنة العامة مهمة توجيه الإنتاج القومي وتخصيه لإشباع كل من الحاجات الفردية والحاجات الجماعية. فبواسطة ذلك الجانب من النشاط المالي والذي يتمثل في فرض الإيرادات العامة وتحصيلها يتنازل الأفراد والقطاع الخاص والوحدات الإنتاجية عن جزء من دخولها وتنخفض نتيجة لذلك الدخول التي تبقى تحت أيديهم ومتاحة للتصرف فيها بالإنفاق أو الادخار. وبواسطة الجانب الآخر من النشاط المالي، ويتمثل في جانب الإنفاق، تستطيع الحكومة الحصول على الموارد اللازمة لتوفير هذه الخدمات العامة. وكانت هذه الوظيفة حتى بداية القرن الحالي هي الوظيفة الأساسية الأولى للموازنة، فقد كان الغرض الأساسي للموازنة العامة هو توفير الموارد وإنفاقها على الخدمات العامة. ويعكس ذلك في الواقع ما التزمت به الدولة من حدود ضيقة لوظائفها وما ترتب عليه من صغر حجم الموازنة بالقياس إلى النشاط الاقتصادي وضآلة آثارها الاقتصادية والاجتماعية.
5. المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التشغيل الكامل: وهذه هي أحدث وظائف الموازنة العامة. وقد بدأت مع الكساد الكبير في الثلاثينيات من هذا القرن عندما تبنت بعض المجتمعات الرأسمالية هدف تحقيق العمالة الكاملة مستخدمة الموازنة العامة والنفقات العامة كأداة لهذا الغرض. كما استخدمت منذ الحرب العالمية الثانية كوسيلة لتحقيق الاستقرار في قيمة النقود والحد من النشاط الاقتصادي. وتعتمد استراتيجية الموازنة العامة في ممارستها لهذه الوظيفة على تغيير مستوى الطلب الكلي في الاتجاه المناسب مستخدمة في هذا الصدد الضرائب والنفقات الحقيقية والتحويلية. ومن الواضح أن كبر حجم الميزانية العامة هو العامل الفعال في تحقيق هذه الوظيفة. فالموازنة العامة للدولة هي الخطة المالية عن سنة مالية مقبلة لتحقيق أهداف محددة، وذلك في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وطبقاً للسياسة العامة للدولة.
وقد تضمن التعريف السابق اصطلاح "الموازنة" تمييزاً لها عن الميزانية السنوية، التي تعد على هيئة جدول مبوب يبين أصول المشروع وخصومه في نهاية السنة المالية، ويعبر عن المركز المالي الحقيقي لذلك المشروع.
وتختلف الموازنة العامة للدولة عن الموازنة النقدية، وهي عبارة عن بيان بتقديرات استخدامات الدولة ومواردها من النقد الأجنبي عن فترة زمنية مقبلة (تتراوح ما بين ثلاثة شهور غلى سنة) ويتم فيها توزيع الموارد على الاستخدامات. فالموازنة النقدية تختلف عن الموازنة العامة في كونها تتضمن حصيلة استخدامات النقد الأجنبي فقط، بينما تعبر أرقام الموازنة العامة عن مبالغ محلية وأجنبية معاً. كما أن الموازنة النقدية تشمل الأرقام الخاصة بالقطاعين العام والخاص، بينما لا تتضمن الموازنة العامة أية اعتمادات تتعلق بالقطاع الخاص. وحتى يمكن للميزانية العامة أن تقوم بوظائفها ومهامها الرئيسية فإن الحكومات المعاصرة تتبع قواعد، أو مبادئ أساسية عند وضع ميزانياتها تسهل قيام الميزانية العامة لوظائفها السابقة.
ثانياً: القواعد الأساسية للميزانية العامة
هناك اتجاه عامة بين معظم الدول في مراعاة تلك القواعد عند وضع الميزانية العامة. وارتبطت هذه القواعد ومدى الالتزام بها بتطور أنظمة الحكم السياسي في الدول، ومدى تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية. فقد كان وضع تلك القواعد انعكاساً لتطور العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية من أجل إحكام الرقابة على أعمال الحكومة، وتنظيم أصول محاسبيه وفنيه واضحة لتنفيذ برنامج العمل الحكومي. وبالرغم من التزام معظم الدول في هذه القواعد إلا أن تطور دور الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي قد يجعل من الالتزام ببعض المبادئ عقبة أمام تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتي تسعى إليها الحكومات. مما استدعى في بعض الأحيان الخروج عن هذه القواعد على شكل استثناءات تتلاءم مع الأهداف الموضوعة.
وأهم هذه القواعد: السنوية، والوحدة، والشمول، وعدم التخصيص. وسوف نتعرض إلى التعريف بكل قاعدة، ومبررات الالتزام بها، ثم نسوق أهم الاستثناءات التي قد ترد على هذه القواعد.
1. قاعدة سنوية الميزانية
وهذه القاعدة تعنى أن تغطي الميزانية العامة مدى اثنا عشر شهراً. ويترتب على ذلك بأن تقوم السلطة التنفيذية بإعداد تقديرات أرقام الميزانية لمدة سنة مالية مقبلة. اي أن تكون هذه التقديرات قابله للتنفيذ خلال سنة. بالإضافة إلى أن غقرار الميزانية من قبل السلطة التشريعي يكون صالحاً لمدة سنة، وهذا يقتضي تجديد هذا التصديق سنوياً. ويترتب على ذلك بأن تلغى جميع الاعتمادات المالية التي لم يتم إنفاقها بعد نهاية السنة المالية التي سبق الموافقة عليها. ومن الطبيعي أن تحدد كل دولة تاريخ بدء السنة المالية الخاصة لها وفقاً لظروفها السياسية والإدارية والمالية. فلذا نجد أن هناك اختلافات في بدايات السنة المالية لكل دولة، وليس من الضروري أن يتطابق ذلك مع بدء السنة التاريخية. وأهم ما يبرر الالتزام بقاعدة السنوية اعتبارات سياسية وإدارية وفنية. حيث تعتبر مدة السنة فترة وسيطة ومقبولة لدى السلطات التشريعية في إحكام رقابتها على أعمال السلطة التنفيذية. بحيث إذا طالت الفترة عن سنة فإن فعالية الرقابة تصبح ضعيفة. وإذا قلت الفترة عن سنة فإن الرقابة تصبح شديدة ومرهقة، وقد تعرقل مسيرة برنامج عمل السلطة التنفيذية.
لذا فإن فترة السنة تعتبر من الناحية السياسية ضماناً معقولاً للسلطة التشريعية، وبالتالي يتمكن المجتمع من الاطلاع على برنامج العمل المتوقع تنفيذه من قبل الحكومة، وكذلك على النشاطات التي تم تنفيذها خلال فترة السنة السابقة.
أما من الناحية الفنية، فإن لفترة السنة مزايا مهمة حيث تكون تقديرات الإيرادات والنفقات العامة أقرب إلى الواقعية حين تتمشى مع مستوى النشاط الاقتصادي الذي قد يتغير مع فصول السنة. كذلك قد تتلائم فترة السنة مع التقدير السنوي لبعض الأوعية الضريبية، وخاصة في حالة الضرائب المباشرة. زيادة على أن قاعد السنوية قد تتناسب مع الحسابات السنوية لشركات القطاع الخاص، مما يسهل عملية فرض الضرائب عليها وتحصيلها. بالإضافة إلى ما سبق، فإنه كلما طالت الفترة الزمنية لأكثر من سنة، فإن ذلك يؤدي إلى عدم الدقة في تقديرات الميزانية، مما يضعف التنبؤ ويزيد من عدم التأكد في مستويات الأسعار في المستقبل البعيد.
ومن الناحية الإدارية، فإنه يصعب على الأجهزة الإدارية والتشريعية أن تقوم بعملية إعداد مشروع الميزانية وتحضيره ومناقشته أكثر من مرة في العام. وذلك لما يتطلب هذا الأمر من جهد ووقت ومال كثير، مما يشكل عبئاً إدارياً على تلك الأجهزة.
وبالرغم من أهمية قاعدة السنوية في الميزانية العامة ومن أن جميع الدول على اختلاف نظمها الاقتصادية ومراحل تطورها الاقتصادي تلتزم بهذه القاعدة في تشريعاتها المالية، إلا أنه توجد حالات تضطر فيها الحكومات إلى الخروج عن هذه القاعدة استثناء. وهذا يعني أن تعمل الحكومة ميزانية أقل من سنة أو تمتد فترة الميزانية لأكثر من سنة. وأهم الأمثلة على الاستثناءات التي ترد على قاعدة الميزانية لمدى أقل من سنة هي:
أ. الميزانيات المساعدة أو ميزانيات الدعم: وهي غالباً ما تكون نتيجة لظروف استثنائية لم يتوقع حدوثها عند إعداد تقديرات الميزانية السنوية. وهذه الظروف إما أن تؤدي إلى زيادة طارئة في زيادة حجم النفقات العامة مثل الحروب والكوارث الطبيعية. فيتم في هذه الحالة فتح اعتمادات إضافية عما سبق تقديره في الميزانية السنوية. وإما أن تلك الظروف تؤدي إلى تخفيض حجم الإنفاق، مثل أن يحدث لأسباب ما أن حصيلة الإيرادات تكون أقل مما كان متوقعاً لها. ففي مثل هذه الحالة تجد الحكومة أن من المناسب عمل ميزانية مساعدة للمدة المتبقية من السنة.
ب. الاعتمادات الشهرية المؤقتة: وهذه ميزانيات شهرية تأتي كحل مؤقت عندما لا تتمكن السلطة التشريعية من إقرار الميزانية السنوية في موعدها المحدد. وحيث أن هناك ضرورة لوجود إنفاق عام لتيسير مرافق الدولة فإن السلطة التشريعية تفوض السلطة التنفيذية بفتح اعتمادات شهرية مؤقتة لتغطية النفقات التي لا يمكن تأجيل صرفها حتى إقرار الميزانية، وكذلك جباية الضرائب وفقاً للأسس المقررة سابقاً.
ج. يمكن عمل ميزانية عامة لجزء من السنة حين تعلم الحكومة القائمة أنها لن تستمر حتى نهاية العام المقبل بسبب موعد الانتخابات القادمة. فتتقدم الحكومة في مثل هذه الحالة بميزانية تغطي الفترة التي ستقضيها في الحكم. وهذا يترك مجالاً امام الحكومة الجديدة بأن تعد ميزانية عامة للفترة المتبقية من السنة.
أما الاستثناءات التي ترد على قاعدة السنوية بوضع ميزانية لأكثر من سنة، فأهمها الميزانيات الرأسمالية للمشروعات طويلة الأجل، وتسمى أحياناً "اعتمادات التعهد".
وتفتح هذه الاعتمادات على مدة فترة إنجاز المشروعات الرأسمالية التي تجاوز عادةً فترة السنة. وتقر السلطة التشريعية هذه الاعتمادات إلى جانب الموافقة على ما يمكن أن يتم إنفاقه سنوياً من تلك الاعتمادات، ويسمى هذا المبلغ السنوي "اعتماد الدفع"، وهو ما يخصص في ميزانية كل سنة مالية لتنفيذ المشروعات. هذا وقد حاولت بعض الدول مثل السويد القيام بوضع ميزانية عامة تمتد على مدى الدورة الاقتصادية بدلاً من السنة، وذلك بهدف التوفيق بين مبدأ توازن الميزانية وتوازن الاقتصاد، أي تحقيق استقرار اقتصادي. وتحاول الدولة في مثل هذه الحالة أن تحقق توازن الميزانية في نهاية الدورة الاقتصادية. إلا أن هذه الميزانيات واجهت صعوبات عملية في تحقيقها.
2. قاعدة وحدة الميزانية:
ويقتضي الالتزام بهذه القاعدة أن تدرج الحكومة تقديرات النفقات والإيرادات العامة في وثيقة واحدة. أي لا يكون هناك عدد من الميزانيات للحكومة حتى تكون رقابة السلطة التشريعية فعالة على أعمال الحكومة. حيث أن الوثيقة الواحدة تسهل عملية الاطلاع والتعرف على كميات وأنواع النفقات والإيرادات الواردة في مشروع الميزانية. زيادة على أن عرض الميزانية في وثيقة واحدة يجعل التعرف على المركز المالي للدولة أكثر وضوحاً بمجرد النظر إلى الميزانية، ومقارنة مجموع النفقات مع مجموع الإيرادات. وبالتالي يسهل معرف الموقف المالي للحكومة، والسياسات المتبعة هل هي فائض أم عجز في الميزانية؟ بالإضافة إلى وضع تقديرات الميزانية في وثيقة واحدة وضح الأهمية النسبية لأدوات المالية العامة المقترحة في مشروع الميزانية بأن يجعل تحديد النفقات العامة أو الإيرادات العامة إلى الدخل القومي أمراً سهلاً. وبالتالي يسهل دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأدوات، ومدى تأثيرها على المتغيرات الاقتصادية الأخرى، بالإضافة إلى ما سبق من أسباب للالتزام بقاعدة وحدة الميزانية، فإن مثل هره القاعدة قد تجنب الحسابات الحكومية عبء الازدواج الحساب الذي قد ينتج من تعدد الميزانيات وما يترتب عليه من أعباء مالية وإدارية.
وبالرغم من المبررات والاعتبارات العديدة للتقيد بقاعدة وحدة الميزانية، إلا أنه في الوقاع نجد أن الحكومات قد تخرج عن هذه القاعدة استثناءً لمواجهة أحوال خاصة. وذلك بأن تقوم الحكومة بعمل ميزانيات أخرى بجانب الميزانية العامة للدولة، ويكون لتلك الميزانيات إيرادات ونفقات خاصة بها.
وأهم الاستثناءات التي ترد على هذه القاعدة:
أ. الميزانيات المستقبلة: وهي ميزانيات المؤسسات التي تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة عن شخصية الدولة القانونية. حيث يعطي القانون لهره المؤسسات الحق في الاحتفاظ بما يزيد لديها من إيرادات، وحق الاقتراض من الغير إذا ما تحقق لديه اعجز في إيراداتها. ولا تسري على هذه الميزانيات النظم المحاسبية والمالية التي تخضع لها الميزانية العامة للدولة إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة. وتمنح الدولة مثل هذه الاستقلالية لعدة اعتبارات قد تكون سياسية أو اقتصادية أو مالية أو حتى نتيجة اتفاقيات دولية.
ب. الميزانيات الملحقة: وهي ميزانيات منفصلة عن الميزانية العامة تنظم نفقات وإيرادات هيئات عامة لا تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة عن شخصية الدولة. وتقوم هذه الهيئات بنشاطات تجارية واقتصادية للدولة. وأن وجود الميزانيات الملحقة بصورة منفصلة يمكن تبرير بأنها تمنح تلك الهيئات حرية العمل، وتعمل على عدم عرقلة مثل هذه النشاطات بالأنظمة الحكومية المعقدة من ناحية صرف النفقات.
بالإضافة إلى الرغبة في معرفة نتائج مثل تلك النشاطات وتحقيقها للربح أو الخسارة. وغالباً ما ترتبط هذه الميزانيات الملحقة بالميزانية العامة للدول عن طريق صافي حساباتها فقط. أي إذا كان في الميزانية الملحقة فائض ظهر صافي الحساب هذا في جانب الإيرادات في الميزانية العامة. وإن كان في الميزانية الملحقة عجز ظهر ذلك في جانب الإنفاق في الميزانية العامة في شكل إعانة.
ج. الميزانيات الاستثنائية: وهذه توضع لأغراض محددة تظهر بصورة استثنائية ودون توقع مثل نفقات الحروب والكوارث الطبيعية. في الماضي كانت تعرض مثل هذه الميزانيات وحدها، إن نفقاتها وإيراداتها تكون استثنائية لا تتكرر ولا تدخل ضمن الميزانية العامة لأنها لا تعكس المركز المالي للدولة.
3. قاعدة شمول الميزانية:
ويقتضي الالتزام بهذه القاعدة أن تشمل تقديرات الميزانية العامة النفقات العامة والإيرادات كافة مهما اختلفت أنواعها وكمياتها ومصادرها. وبعبارة أخرى، فإن الميزانية العامة يجب أن تشمل جميع أوجه النشاط الحكومي مهما كان صغيراً، وعدم إجراء أية مقاصة بين النفقات والإيرادات لأية وحدة إدارية، وعلى جميع الوحدات الإدارية أن تستخدم أسلوباً إجمالياً للحسابات عند وضع ميزانيتها. وبذلك تضمن السلطة التشريعية فعالية رقابتها على أوجه النشاط المالي للحكومة.
ويبرر الالتزام لهذه القاعدة عدة اعتبارات. أولها: الاعتبار السياسي الذي يمكن السلطة التشريعية من إحكام الرقابة على النشاط المالي للحكومة، حيث سيتم الإقرار على الميزانية على أساس أرقامها التفصيلية. وهذا يحول دون استخدام الموارد العامة، إذ لا بد من إقرار السلطة التشريعية على أية نفقة مهما صغر حجمها. وعدم الالتزام بهذه القاعدة سوف يترتب عليه استخدام أسلوب صافي الحسابات في الوحدات الإدارية، ومن ثم يختفي جانب كبير من النفقات والإيرادات عند مراقبة السلطة التشريعية، مما يكون مدعاة لهذه الوحدات الإدارية للإسراف والتبذير في الأموال العامة حين تضعف الرقابة عليها. بالإضافة إلى ما سبق، فإن وضع تقديرات الميزانية بكل تفاصيلها سوف يساعد على عمل بعض التحليلات الاقتصادية عن النشاط الحكومي، وقياس مساهمة هذا القطاع في تكوين الدخل القومي، وكذلك قياس العبء الضريبي في الاقتصاد إلى غير ذلك من المؤشرات الاقتصادية التي قد تفيد واضع السياسة الاقتصادية في المجتمع.
ومن أهم الاستثناءات التي ترد على قاعدة شمول الميزانية ما لاحظناه في الميزانيات المستقلة والملحقة، حيث ترتبط مثل هذه الميزانيات العامة للدولة عن طريق صافي حساباتها. فالفائض في مثل هذه الميزانيات يذهب كإيراد لميزانية الدولة، والعجز في هذه الميزانيات يذهب إلى جانب الإنفاق في الميزانية العامة على شكل إعانة.
4. قاعدة عدم التخصيص أو شيوع الميزانية:
وهذا يعني ألا يخصص إيراد عام بعينه لوجه إنفاق معين. ولكن تجمع الإيرادات العامة ثم يعاد توزيعها على جميع أوجه الإنفاق العام المختلفة، وهذا يقتضي قطع العلاقة بين النفقات العامة والإيرادات العامة. والالتزام بهذه القاعدة له عدة مبررات أهمها: تحقيق كفاءة استخدام الموارد العامة، حيث أن الأموال العامة سوف يعاد توزيعها حسب النشاطات التي تم تحديد أولوياتها في الميزانية. وهذا يضمن تقديم الخدمات العامة بالمقادير اللازمة في المجالات المختلفة. وبالتالي فإنه يترتب على هذه القاعدة تطور القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بنوع من التوازن، حيث تحول هذه القاعدة دون تطور قطاعات معينة تتميز بأن لها إيرادات مرتفعة، وتختلف قطاعات أخرى تكون إيراداتها منخفضة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه القاعدة تعطي المجال للسلطة التشريعية بأن تراقب توزيع الأموال عامة على القطاعات المختلفة، مما يترتب عليه نوع من التضامن القومي في البدل الواحد بين مختلف فئات المجتمع والمناطق المختلفة. زياد على ما سبق، فإن مفهوم الضريبة كمشاركة من أفراد المجتمع دون مقابل خدمة معينة تتناسب مع قاعدة عدم تخصيص إيراد معين لنفقة معينة.
هذا ولا يخفى أن هذه القاعدة تتعلق بعدم تخصيص الإيرادات العامة فقط، فيجب ألا يغفل هنا بأن النفقات العامة يجب أن تخصص على شكل اعتمادات محددة لأوجه نشاط محدد، حتى تتمكن السلطة التشريعية من إحكام الرقابة على أعمال الحكومة.
بالرغم من أهمية قاعدة شيوع الميزانية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إلا أنه من الناحية العلمية تجد الحكومات نفسها أمام حالات معينة تضطر بها للخروج عن هذه القاعدة استثناء. وأهم الاستثناءات التي ترد على هذه القاعدة:
أ. الميزانيات المستقلة والملحقة. كما لاحظنا في السابق فإن إيرادات هذه الميزانيات لا تدخل ضمن الإيرادات العامة وإنما تخصص للنفقات الخاصة بهذه المؤسسات والهيئات العامة. فيمكن اعتبار ذلك خروجاً عن القاعدة.
ب. ممارسات بعض الدول بتخصيص إيرادات معينة لتمويل نفقة معينة. ويمكن أن يكون ذلك لاعتبارات نفسية لدى المكلف حيث يكون هناك علاقة مباشرة بين الضريبة ووجه الإنفاق. مثال ذلك ما يستخدم في الولايات المتحدة من تخصيص إيرادات ضريبة وقود السيارات ورسوم تسجيل السيارات لتمويل الطرق العامة وصيانتها. كذلك ما تتبعه بعض الدول النامية من تخصيص إيرادات القروض العامة لتمويل المشروعات الإنمائية، أو تخصيص إيرادات معينة لسداد خدمة الدين العام أو لأغراض أخرى محددة.
ثالثاً: دورة الميزانية وعملية اتخاذ القرارات
إن التقديرات النهائية لأرقام الميزانية العامة تكون نتيجة العديد من القرارات المختلفة التي تتخذ عبر عدد من المراحل التي تمر بها إجراءات الميزانية. في كل مرحلة من تلك المراحل يتم تعديل تلك التقديرات إلى أن يتم التوصل إلى الأرقام النهائية في الميزانية. لذا فإنه من أجل التعرف على عملية اتخاذ القرارات في الميزانية العامة يلزم التعرف أولاً على المراحل التي تمر بها إجراءات الميزانية، وكذلك على السلطات المختلفة المسؤولة عن اتخاذ تلك القرارات والعوامل التي تؤثر على هذه القرارات.
* مراحل إجراءات الميزانية (أو دورة الميزانية)
إن عملية الميزانية في أي حكومة تمثل مجتمعاً ديمقراطياً تتضمن القيام بخطوات متتالية تتكرر في كل عام. وهي الإعداد أو التحضير، والإقرار أو الاعتماد والتنفيذ وأخيراً مراقبة التنفيذ.. وسنتعرض لكل مرحلة بإيجاز.
أ. إعداد مشروع الميزانية العامة
وتقع مسؤولية هذه المرحلة على الأجهزة الإدارية في السلطة التنفيذية للحكومة. وغالباً ما يكون هناك دائرة مختصة لهذا العمل تكون مستقلة عن باقي الدوائر الأخرى في مسؤولياتها مثل دائرة الميزانية حيث تقوم بالتنسيق بين الدوائر المختلفة عند إعداد مشروع الميزانية. وتبدأ أعمال هذه المرحلة قبل فترة من تاريخ بدء السنة المالية، ويتم على مستوى كل وحدة إدارية إعداد تقديرات للحاجات اللازمة لها للعام المقبل ضمن إرشادات عامة وفي نطاق السياسة الاقتصادية التي تستهدفها الحكومة. ترسل مقترحات الميزانية لكل وحدة إدارية إلى الدائرة المختصة بالميزانية، حيث يتم تجميعها ودراستها بعناية من قبل خبراء متخصصين وينسق فيما بين تلك المقترحات العديدة. وتنتهي هذه المرحلة بتحضير مشروع الميزانية الذي يقدم إلى السلطات العليا في السلطة التنفيذية وبعد ذلك يعرض في تاريخ معين في كل عام - على السلطة التشريعية لدراسته وإقراره.
ب. إقرار مشروع الميزانية واعتماده
تقع مسؤولية هذه المرحلة على السلطة التشريعية، وغالباً ما يكون هناك لجان متخصصة لمناقشة مشروع الميزانية. ومعظم ما يدور حوله النقاش هو جانب النفقات، وعلى الخص على التغيرات المقترحة في مشروع الميزانية. وتتم الموافقة على تقديرات الميزانية بعد التعديلات التي تجريها اللجان المختصة. وإذا حدث أن السلطة التشريعية لم توافق على مشروع الميزانية أو أن السلطة التنفيذية رفضت التعديلات التي قامت بها السلطة التشريعية، فإن ذلك قد يستدعي في المجتمعات الديمقراطية تغيراً سياسياً، مثل استقالة الحكومة أو حل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات جديدة. وبعد أن تتم موافقة السلطة التشريعية على مشروع الميزانية، فإن هذه المرحلة تنتهي بصدور قانون الميزانية أو صدور الميزانية العامة كوثيقة قانونية قابلة للتنفيذ.
ج. تنفيذ الميزانية
وتقع مسؤولية هذه المرحلة على السلطة التنفيذية، حيث يتم في هذه المرحلة جباية الإيرادات وصرف النفقات حسب الاعتمادات المخصصة لكل دائرة. ويتم الإنفاق من قبل الوحدات الإدارية وفقاً لما هو مخول لها قانوناً. وفي الغالب ما تكتب أذونات الصرف من قبل المسؤولين عن الصرف في الدوائر المختلفة، ويتم دفع المبالغ من خلال الخزانة العامة.
د. مراقبة تنفيذ الميزانية
وتكون مسؤولية المراقبة مشتركة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، إذ لكل منهما أجهزة خاصة لهذا الغرض. والهدف من هذه المراقبة هو مضان تنفيذ الميزانية وفقاً للتشريعات المالية وكشف المخالفات والانحرافات ومحاسبة المسؤولين عن ذلك. ولا تقتصر الرقابة على الناحية المحاسبية فقط، وإنما توسعت لتشمل أداء فعالية الوحدات الإدارية القائمة على تنفيذ الميزانية وفق الأهداف الموضوعة. وتختلف أساليب الرقابة المتبعة حسب الأنظمة القائمة في كل بلد.
لتحميل الملف اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق