أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

الثلاثاء، 5 يونيو 2018

بحث حول مصادر الحق في القانون pdf

بحث عن مصادر الحق


ينشأ الحق ويقوم مستنداً إلى القانون، حيث يعتبر القانون مصدراً لكل الحقوق عن طريق إقراره لها، ويعتبر القانون على هذا النحو المصدر البعيد أو غير المباشر للحقوق، أما المصدر المباشر أو القريب فيمثل في الوقائع التي يحددها القانون والتي بناء على وجودها يوجد الحق، فمثلاً عندما يشتري شخص من شخص آخر شيء معين يعتبر المصدر المباشر لحق ملكية الشخص للشيء المبيع عقد البيع ويعتبر القانون المصدر البعيد أو غير المباشر عن طريق اعترافه بهذا العقد ...الخ.  وتنصب دراستنا على المصدر المباشر للحق المتمثل في والوقائع القانونية، والواقعة القانونية عبارة عن كل أمر يحدث يرتب القانون على حدوثه أثر معين يتمثل في إنشاء حق أو نقله أو تغييره أو انقضاؤه.  وتنقسم الوقائع القانونية إلى وقائع طبيعية ووقائع اختيارية، وتنقسم الوقائع الاختيارية إلى أعمال مادية وتصرفات قانونية،  وعليه فإن دراسة مصادر الحق تتطلب دراسة الوقائع الطبيعية والأعمال المادية والتصرفات القانونية باعتبارهم مصادر للحق، وذلك في النقاط الآتية.

أولاً:  الوقائع الطبيعية:
الوقائع الطبيعية هي التي تحدث بفعل الطبيعة دون أي نشاط من قبل الإنسان، ويجب حتى تعتبر الوقائع الطبيعية مصدراً للحق أن يترتب على حدوثها آثار قانوينة معينة كإنشاء الحق أو نقله او تعديله أو انقضائه، أما إذا لم يترتب على حدوثها أثر قانوني كأن يقع زلزال أو فيضان دون أن يترتب على ذلك أثر قانوني فإنها لا تعتبر مصدراً لأي حق.
ومن أمثلة الوقائع الطبيعية:  واقعة الولادة حيث أنه يترتب عليها أثر قانوني يتمثل في بدء شخصية الإنسان وصلاحيته لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وواقعة الوفاة حيث يترتب عليها انتهاء شخصية الإنسان وتوزيع تركته على الورقة بعد سداد الديون، وواقعة غروب الشمس إذا ترتب عليها أثر قانوني كأن ينقضي ميعاد قانوني، وواقعة حدوث زلزال أو فيضان إذا ترتب عليها أثير قانوني كأن تعتبر قوة قاهرة تعفى المدين من الوفاء بالتزامه، وواقعة الجوار حيث يترتب عليها نشوء التزامات بين الجيران، وواقعة نضوج غلة الأرض قد يترتب عليها انتهاء عقد الإيجار إذا كان محدداً بذلك، وواقعة الطمي يترتب عليها اكتساب المالك للزيادة التي حدتت في أرضه نتيجة فيضان أو غيره، وواقعة مرور الزمان التي يترتب عليها انقضاء أو بدء ميعاد قانوني أو اكتساب الحق بالتقادم المكسب أو سقوطه بالتقادم المسقط أو اكتمال سن الرشد لدى الشخص ..الخ.

ثانياً:  الأعمال المادية:
يقصد بالأعمال المادية الأفعال التي تصدر عن الإنسان فيرتب عليها القانون آثار قانونية وبغض النظر عن انصراف إرادة الشخص إلى إحداث هذه الآثار أم لا أو لم تتجه أصلاً إلى إحداث آثار قانونية.  حيث أن القانون يرتب على هذه الأعمال آثار قانونية دون أن يعتد بالإرادة، فترتيب الأثر القانوني ناجم عن وقوع الفعل ليس إلا، وعليه تنقسم الأعمال المادية بهذا الخصوص إلى أعمال مادية لم يقصد فاعلها ترتيب الآثار القانونية على الفعل وإلى أعمال مادية تنصرف إرادة الشخص عند مباشرتها إلى إحداث آثار قانونية، وندرس فيما يلي هذين النوعين من الأعمال.
بحث حول مصادر الحق في القانون

1-  النوع الأول:  أعمال مادية لم تنصرف إرادة الشخص عند مباشرتها إلى إحداث آثار قانونية.
يقوم الشخص بهذه الأعمال دون أن تنصرف إرادته إلى إحداث أثر قانوني، وتتمثل هذه الأعمال بالفعل الضار والفعل النافع، ونوضح ذلك في النقاط الآتية.

أ.  الفعل الضار:
الفعل الضار عبارة عن عمل مادي يقوم به شخص ويلحق الضرر بالآخرين، ويترتب على وقوع مثل هذا الفعل حقاً شخصياً للمضرور في مطالبة مرتكب الفعل بالتعويض عما لحقه من ضرر، ويستوي في ذلك أن يكون الفعل قد وقع عن قصد أم عن إهمال وتقصير.  وقد نص مشروع القانون المدني الفلسطيني على مسئولية مرتكب الفعل الضار وإلزامه بتعويض المضرور وذلك في المادة (179) منه التي جاء فيها:  "كل من ارتكب فعلاً سبب ضرراً للغير يلزم بتعويضه".
والفعل الضار قد يقع على النفس كالقتل والجرح والإيذاء، وقد يقع على المال كالإتلاف أو التعدي أو الضب.   ويلتزم مرتكب الفعل الضار بالتعويض وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية التي تقوم على الخطأ والضرر وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

ب.  الفعل النافع:
الفعل النافع عبارة عن عمل مادي يترتب عليه إثراء شخص على حساب غيره دون سبب قانوني مشروع.  فعلى كل من يثري على حساب غيره دون سبب قانوني أن يعوض الطرف المفتقر نتيجة الإثراء بقدر ما أثري به وفي حدود ما لحق المفتقر من خسارة أي يلتزم المثري على حساب غيره برد أدنى القيمتين قيمة الإثراء أو قيمة الافتقار.  وعليه تقوم قاعدة الإثراء بلا سبب على ركنين:  الأول هو إثراء يترتب عليه افتقار مقابل، والثاني هو انعدام السبب القانوني لهذا الإثراء.  فمثلاً إذا قام شخص باستخدام أدوات غيره في البناء على أرضه، فيعتبر أنه أثرى على حساب غيره دون سبب قانوني وفي المقابل أصاب صاحب الأدوات بافتقار، فيلتزم في هذه الحالة بتعويض المفتقر، أو أن يقوم المستأجر بإجراء إصلاحات في العين المؤجرة في حين أنها تقع على عاتق المؤجر، فيعتبر أن المؤجر أثرى بلا سبب على حساب غيره (المستأجر)، ويكون للمستأجر أن يرجع عليه بالتعويض وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب.

ومن تطبيقات الإثراء بلا سبب دفع غير المستحق، والذي يتمثل في أن يقوم شخص بوفاء دين غير مستحق عليه، فيجب في هذه الحالة على الموفى له أن يرد ما أخذه لأن في احتفاظه به إثراء بلا سبب على حساب غيره.  كما أن من تطبيقات الإثراء بلا سبب الفضالة والتي تعني أن يتولى شخص عن قصد شأناً نافعاً عاجلاً لحساب شخص آخر ودون أن يكون ملزم بذلك، ومثال ذلك أن يقوم الفضولي بإطفاء حريق شب في منزل جاره أو بكبح جماح جواد لينفذ راكبه أو يجني محصول خشية أن يتلف في حين أن المنزل ليس بمنزله ولا الجواد جواده ولا المحصول له، ويتضح من ذلك أنه في الفضالة يقوم الفضولي بعمل نافع وضروري أو عاجل لشخص آخر، كما تتجه نية الفضولي إلى تحقيق مصلحة الغير دون أن يكون ملتزماً بذلك، ويحق له أن يطالب المنتفع بما أنفقه من مصروفات للقيام بالعمل لصالحه وبما أصابه من خسارة نتيجة ذلك.

2-  النوع الثاني:  أعمال مادية انصرفت إرادة الشخص عند مباشرتها إلى إحداث آثار قانونية:
تقوم هذه الأعمال على أساس انصراف إرادة الشخص إلى إحداث آثار قانونية معينة وتتمثل في إحراز المباحات أو الاستيلاء والحيازة والتقادم المكتسب، ونشرح فيما يلي هذه الأعمال بشي من الإيجاز.

أ.  الاستيلاء (إحراز المباحات):
يقصد بالاستيلاء وضع اليد على شيء مباح لا مالك له بنية تملكه، حيث يعتبر الاستيلاء سبباً لكسب ملكية الأشياء التي لا مالك لها، ويرد الاستيلاء على المنقول فقط لأن العقارات أو الأراضي الموات التي لا مالك لها تعتبر مملوكة للدولة، وقد يكون المنقول بلا مالك منذ البداية بأن كان يشيئاً مباحاً كالسمك في الماء أو الطير في الهواء، وقد يكون للمنقول مالك ويتخلى عنه بأن يلقي به في الشارع مثلاً أو في الأماكن المعدة لرمي المهملات، وفي كلا الحالتين إذا وضع شخص يده على المنقول بنية تملكه فإنه يصبح ملكاً له بالاستيلاء.
وقد نصت على ذلك المادة (1001) من مشروع القانون المدني الفلسطيني التي جاء فيها:  "من وضع يده على منقول لا مالك له بنية تملكه، ملكه"، كما جاء في المذكرات الإيضاحية للمشروع أن كسب الملكية عن طريق الاستيلاء يتطلب توافر ثلاثة أركان:
* وجود منقول مادي لا مالك له.
* وضع اليد على هذا المنقول أي حيازته والاستحواذ عليه (الركن المادي).
* نية تملك هذا المنقول والتي تعتبر الركن المعني للحيازة، أي أن تنصرف نية الحائز إلى اكتساب ملكية المنقول.

ب.  الحيازة:
يقصد بالحيازة سيطرة فعلية من الشخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء أو حق يجوز التعامل فيه.  وللحيازة ركنان:  ركن مادي يتمثل في السيطرة المادية على الشيء محل الحيازة ومباشرة الأعمال المادية التي يباشرها المالك عادة في ملكه، وركن معنوي يتمثل في انصراف نية الحائز إلى تملك الشيء والظهور عليه بمظهر المالك.  وإذا توافرت أركان الحيازة فإنها تؤدي إلى كسب ملكية المنقول في الحال متى اقترنت بحسن النية واستندت لسبب صحيح، حيث أن اكتساب ملكية المنقول بالحيازة يحكمه قاعدة مقتضاها أن "الحيازة في المنقول بحسن النية سند الملكية"، وعليه إذا كان الحائز للمنقول حسن النية بعدم علمه بأنه يحوز شيئاً مملوكاً للغير وكان يستند إلى سبب صحيح يتمثل بتصرف قانوني أل إليه المنقول بناء عليه فإنه يكتسب ملكية المنقول بمجرد الحيازة، ومثال ذلك أن يشتري شخص من آخر منقول ثم يتضح بعد ذلك أن البائع ليس بمالك لهذا المنقول، إلا أن المشتري حاز المنقول وباشر عليه سلطته وظهر عليه بمظهر المالك وبنية تملكه، ففي هذه الحالة يتملكها توافر حسن النية لديه والسبب الصحيح.

ج.  التقادم المكسب:
التقادم المكسب عبارة عن نظام أو وسيلة يكسب بها الحائز ملكية الشيء أو حقاً عينياً آخر عليه بمقتضى حيازة مستمرة لمدة معينة.  حيث تكتسب ملكية العقارة عن طريق وضع اليد عليه وحيازته حيازة قانونية هادئة وتوافر أركانها (الركن المادي والركن المعنوي) مع مرور مدة زمنية على وضع اليد يحددها القانون غالباً بخمس عشرة سنة، كما تكتسب الحقوق العينية التي ترد على عقار عن طريق التقادم المكسب، وفي حالة عدم توافر الشروط اللازم توافرها لكسب ملكية المنقول عن طريق الحيازة كما سبق بيانه بأن كل الحائز سيء النية أو لم يتوفر لديه سبب صحيح يستند عليه في حيازته، فإنه يستطيع أن يتملك المنقول بالتقادم المكسب إذا مضى على حيازته له خمسة عشر سنة دون انقطاع، وهذا ما نصت عليه المادة (1103) من مشروع القانون المدني الفلسطيني التي جاء فيها:  "من حاز منقولاً أو عقاراً أو حقاً عينياً على عقار غير مسجل في دائرة التسجيل حيازة قانونية واستمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة كان له أن يكسب ملكية العقار أو الحق العيني".
وإذا كان الحائز للعقار أو للحق العيني الوارد على العقار حسن النية ومستند في حيازته إلى سبب صحيح فإن المدة اللازمة لكسب الحق تكون خمس سنوات، والسبب الصحيح عبارة عن السند الذي يصدر من شخص لا يكون مالكاً للشيء أو صاحباً للحق الذي يراد كسبه بمرور الزمان.

يقصد بالتصرف القانوني اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني معين، قد يكون إنشاء حق أو نقله أو تعديلها أو تغييره أو انقضاؤه.  ويختلف التصرف القانوني عن الوقائع الطبيعية والأعمال المادية في أنه لا بد وأن يظهر فيه اتجاه الإرادة إلى إحداث الأثر القانوني، حيث أن قوام التصرف القانوني الإرادة، من أمثلة التصرفات القانونية البيع، الهبة، والوصية ...الخ.
والتصرف القانوني إما أن ينعقد بتوافق إرادتين وفي هذه الحالة يكون عقداً مثل عقد البيع حيث يلزم لانعقاده توافق إرادتي البائع والمشتري، وإما أن ينعقد بإرادة واحدة ويسمى في هذه الحالة بالتصرف الإرادي المنفرد ومثاله الوصية حيث تنعقد بإرادة الموصي ودون حاجة لقبول الموصى له.
وللتصرف القانوني تقسيمات عديدة بسحب الزاوية التي ننظر منها له، فمن حيث الأثر المترتب عليه ينقسم إلى تصرفات نافعة نفعاً محضاً وتصرفات ضارة ضرراً محضاً وتصرفات دائرة بين النفع والضرر، وتنقسم التصرفات القانونية من حيث وجود المقابل من عدمه إلى تصرفات بعوض (معاوضة) وتصرفات بدون عوض (تبرع)، والتصرف بعوض هو الذي يأخذ فيه المتصرف مقابلاً لما يعطي كعقد البيع وقعد الإيجار ..الخ، أما التصرف بدون عوض فهو الذي يعطي فيه المتصرف ولا يأخذ كالهبة والوصية، وتقسم التصرفات القانونية من حيث وقت ترتيب آثارها إلى تصرفات فيما بين الأحياء وتصرفات مضافة إلى ما بعد الموت، والتصرف فيما بين الأحياء هو التصرف الذي تترتب آثاره في حياة من أبرمه مثل البيع والهبة ...الخ.  أما التصرف المضاف إلى ما بعد الموت فتترتب آثاره بعد موت مبرمه مثل الوصية.
من خلال ما تقدم يتضح ما للإرادة من دور وسلطان فيما يتعلق بالتصرف القانوني، مما أدى إلى إرساء مبدأ يُعرف بمبدأ سلطان الإرادة.
يعتبر مبداً سلطان الإرادة من أهم المبادئ القانونية في عالم القانون، وتقتضي دراستنا لهذا المبدأ توضيح المقصود به والانتقادات التي وجهت له والقيود التي ترد عليه.

أ.  المقصود بمبدأ سلطان الإرادة:
اعترف القانون للإرادة بدورها الفاعل في إنشاء التصرف القانوني ونقله وتعديله انقضائه، وهي على هذا النحو تعتبر عماد التصرف القانوني وركيزته الأساسية التي يقوم عليه حيث تتمتع بسلطان واسع في التصرفات القانونية.  ويقصد بمبدأ سلطان الإرادة أن الإرادة وحدها كافية لإنشاء التصرف القانوني وتحديد آثاره، وعلى ذلك يعتبر هذا المبدأ ذو شقين:

1-  الشق الأول:  كفاية الإرادة لإنشاء التصرف القانوني:
تكفي الإرادة وحدها لإنشاء التصرف القانوني، فإذا نشأ التصرف القانوني بإرادة واحدة يكون تصرفاً إرادياً منفرداً، وإذا لزمت طبيعة التصرف القانوني اقترانها بإرادة أخرى يسمى التصرف القانوني بالعقد، حيث أن العقد عبارة عن توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني.  وكفاية الإرادة لإنشاء التصرف القانوني يعبر عنه بقاعدة الرضائية التي تقضي بنشوء التصرف القانوني بوجود الإرادة السليمة الخالية من العيوب دون الحاجة إلى اتباع شكليات معينة.

2-  الشق الثاني:  قدرة الإرادة وحريتها في تحديد آثار التصرف القانوني واستقلالها بذلك:
تتمتع الإرادة بالقدرة على تحديد آثار التصرف القانوني وتستقبل بذلك، وعليه يكون للأفراد الحرية في تحديد الحقوق والالتزامات التي تتولد عن التصرف القانوني وطبقاً لإرادتهم دون أي تعديل.  ويترتب على ذلك أن تفسير التصرف القانوني يكون من خلال البحث عن إرادة الشخص، كما يترتب على ذلك التزام المتصرف بالآثار القانونية التي تحددها الإرادة.

ب.  الانتقادات التي وجهت لمبدأ سلطان الإرادة:
لقد وجه لمبدأ سلطان الإرادة عدة انتقادات ترجع في مجملها إلى إطلاقه، وأهم هذه الانتقادات:
* أنه يتجال فكرة التضامن الاجتماعي وينظر إلى مصلحة الفرد فقط، بحيث لا يعير مصلحة الجماعة أي اهتمام.
* أن مبدأ سلطان الإرادة مقتضاه عدم إمكانية تدخل المشرع أو القاضي لتعديل آثار التصرف القانوني احتراماً لدور الإرادة، وهرا قد يؤدي إلى عدم تحقيق العدل لأنه قد تتغير الظروف ويحدث اختلال في التوازن بين الالتزامات المتقابلة بحيث يقتضي العدل التعديل فيها ورد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وهرا ما لا يسمح به مبدأ سلطان الإرادة، ولقد دعت هذه الانتقادات لمبدأ سلطان الإرادة إلى فرض قيود تحد من إطلاقه وتؤدي إلى تلافي هذه الانتقادات كما سنرى لاحقاً.

ج.  القيود التي ترد على مبدأ سلطان الإرادة:
ترد على مبدأ سلطان الإرادة قيود يعود وجودها إلى المصلحة العامة للمجتمع وتحقيق الوحدة في الأنظمة الأساسية للمجتمع منعاً من غلبة المصلحة الفردية على المصلحة العامة ولتحقيق استقرار المعاملات، وتنقسم هذه القيود إلى نوعين:  قيود تحد من الشق الأول لمبدأ سلطان الإرادة، وقيود تحد من الشق الثاني لمبدأ سلطان الإرادة، وندرس فيما يلي هذين النوعين من القيود.

1-  القيود التي تحد من الشق الأول لمبدأ سلطان الإرادة:
يتعلق الشق الأول لمبدأ سلطان الإرادة بكفاية الإرادة وحدها لإنشاء التصرف القانوني، وهو ما يعبر عنه بقاعدة الرضائية في إنشاء التصرفات القانونية، إلا أنه يرد على ذلك قيود شكلية بحيث لا تكفي الإرادة وحدها لإنشاء التصرف الثانوي بل لا بد لتمام ذلك أن تفرغ الإرادة في شكل معين وذلك بخصوص بعض التصرفات، وإلا اعتبر التصرف القانوني باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا يرتب أي أثر قانوني.  والشكل الغالب الذي يتطلبه القانون هو الكتابة سواء كانت رسمية أم عرفية، والكتابة الرسمية هي التي يجب أن تتم على يد الموف المختص ومثال ذك الرهن الرسمي وهبة العقار، أما الكتابة العرفية فيه التي تتم بين الأفراد دون تدخل الدولة عن طريق موظف ومثال ذلك عقد الشركة الذي يجب أن يكون مكتوباً وإلا بطل، كما قد يكون الشكل المحدد من قبل القانون هو تسليم الشيء محل التصرف، ومثال ذلك هبة المنقول حيث لا تنعقد إلا بتسليم المنقول إلى الموهوب له.  ويعتبر الشكل الذي يتطلبه القانون على هذا النحو ركناً من أركان التصرف لا ينعقد بدونه ويترتب على تخلفه البطلان، وترجع الحكمة من اشتراط شكلية معينة لإبرام بعض التصرفات القانونية إلى حماية مصلحة المتصرف نفسه، حيث باشتراط هذه الشكلية يدرك أهمية وخطورة التصرف المقدم عليه وبالتالي يتحرى الدقة والحذر الواجب في إبرام مثل هذه التصرفات.

2-  القيود التي تحد من الشق الثاني لمبدأ سلطان الإرادة:
يمنح الشق الثاني لمبدأ سلطان الأفراد الحرية في تحديد الآثار المتولدة عن التصرف القانوني بحيث تحدد الإرادة حقوق والتزامات كل طرف إلا أن المشرع أورد قيوداً على ذلك قد تعدم دور الإرادة في تحديد آثار التصرف القانوني، وقد تعدل في هذه الآثار.
حيث ينعدم دور الإرادة في تحديد آثار التصرف القانوني في بعض الحالات، بحيث ما على الأفراد إلا أن يدخلوا في العلاقة القانونية ويبرموا التصرف ويستقل القانون بتحديد آثار هذا التصرف، ويرجع السبب في ذلك إلى ارتباط بعض التصرفات بالنظام الاجتماعي والأسس التي يقوم عليها المجتمع بحيث تعتبر من النظام العام وينظمها المشرع بقواعد آمره لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالفها، ومثال ذلك عقد الزواج الذي يستقل القانون بتحديد آثاره وينظم حقوق والتزامات الزوجين وما عليهما إلا أن يبرموا عقد الزواج وبعد ذلك ينظم القانون آثاره ويستقل بذلك، كما تتدخل الدولة في الكثير من المسائل والأنشطة المتعلقة بالأفراد نزوعاً نحو المذهب الاجتماعي فتفرض القواعد الآمرة في تنظيم أثار بعض التصرفات كتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر وبين العامل وصاحب العمل...الخ.
كما يجيز المشرع للقاضي أن يتدخل في بعض الأحيان ويعدل أثار التصرف القانوني، حيث أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن من الممكن توقعها وقت إبرام العقد، ترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام أصبح مرهقاً للمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة، فلا يجوز للقاضي أن يتدخل ويعدل في آثار التصرف بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ويقوم برد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.  وفي عقود الإذعان التي يملي فيها الطرق القوي شروطه على الطرف الضعيف نظراً لاحتكار الطرف القوي لخدمة أو سلعة معينة كالعقد المبرم مع شركة الكهرباء أو المياه أو الاتصالات يجوز للقاضي بناء على طلب صاحب المصلحة أن يتدخل ويعدل في الشروط التعسفية أو يعفي الطرف المذعن منها.
يستنتج مما تقد أن دور الإرادة في إنشاء التصرف القانوني وتحديد آثاره لم يعد مطلقاً بل ترد عليه مجموعة من القيود تحد من إطلاقه بهدف الحفاظ على المصلحة العامة والنظام العامة الذي يعتبر قدياً رئيسياً على مبدأ سلطان الإرادة.

 لتحميل الملف اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot

المشاركات