أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

الخميس، 22 فبراير 2018

بحث كامل حول الإيرادات العامة للدولة pdf

 بحث عن ايرادات الدولة


تعتبر الحكومة وحدة اقتصادية متكاملة مهمة، تحتاج إلى أرصدة مالية لتمويل نشاطها العام.  وهذه الأرصدة المالية هي ما يعبر عنه بالإيرادات العامة.  وفي عبارة أخرى، يمكن تعرف الإيرادات العامة بأنها الموارد الاقتصادية التي تحصل عليها الدولة ي شكل تدفقات نقدية من أجل تغطية النفقات العامة بهدف إشباع الحاجات العامة، وتعتبر الإيرادات العامة هي الجزء المكمل والضروري لتمويل الإنفاق العام.
وقد تطورت دراسة الإيرادات العامة حسب تطور الفكر الاقتصادي، حيث اقتصرت دراسة الإيرادات العامة عند الاقتصاديين التقليديين على كيفية تزويد الخزانة العامة بالأموال اللازمة لها من أجل تغطية الإنفاق العام اللازم لقيام الدولة بوظائفها الأساسية.  أما في المدرسة الاقتصادية الحديثة، فبجانب كون الإيرادات أداة للحصول على الأموال العامة، إلا أنها أصبحت أداة مهمة من أدوات السياسة المالية تستطيع الحكومات بواسطتها التأثير على النشاط الاقتصادي والاجتماعي.  بالإضافة إلى تزايد أهمية الإيرادات العامة تبعاً لزيادة أهمية الإنفاق العام كنتيجة ضرورية لتزايد دور الدولة في مختلف اوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
تعتمد الحكومات على مصادر متعددة للإيرادات العامة، وتختلف أهمية هذه المصادر لكل حكومة حسب النظام الاقتصادي السائد ومدى تقدم الدولة.  وكذلك اختلفت أهمية هذه المصادر نتيجة للتطور التاريخي للأنواع المختلفة من الإيرادات العامة.
أولاً:  أنواع الإيرادات العامة
هناك عدة تقسيمات للإيرادات العامة في الفكر الاقتصادي.  والتقسيم المتبع هنا يتضمن المصادر الأساسية للإيرادات العامة، وتعكس الخصائص الرئيسية لأنواع الإيرادات المختلفة.  وتقسم الإيرادات العامة إلى الأقسام التالية:
1.  الإيرادات التجارية
2.  الإيرادات الإدارية.
3.  الإيرادات الضريبية
4.  القروض العامة
5.  إيرادات أخرى
وفي هذا الفصل سوف نتعرض بالشرح لكل من الإيرادات التجارية والإدارية، منوهين عن النوع الأخير، وهو الإيرادات الأخرى نظراً لأهمية هذه الإيرادات بالنسبة لمعظم الحكومات المعاصرة.
1.  الإيرادات التجارية:
وتعكس هذه الإيرادات ما يرد إلى الخزانة العامة من النشاط التجاري للحكومة.  والنشاط التجاري يرتبط باستغلال ما تملكه الحكومة من موارد اقتصادية سواء كان ذلك عن طريق البيع أو الإيجار أو الاستثمار.  أي أن الإيرادات التجارية هي تلك العوائد التي تدخل خزانة الحكومة نتيجة إدارة أموال الحكومة سواء المنقولة أو الثابتة.
كان هذا النوع من الإيرادات هو المصدر الرئيسي لتمويل خزانة الدولة في السابق حتى ظهور الدولة الحديثة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.  حيث كانت الدولة في عهد الإقطاع تعتمد على ما تملكه من أرضٍ وغابات ومصائد ومناجم.  تضاءلت أهمية هذا المصدر للإيرادات العامة نتيجة لظهور الدولة الحديثة.  وكذلك لانتشار مبدأ الحرية الاقتصادية الذي يدعو إلى حرية الفرد وكفاءته في إدارة الموارد الاقتصادية، مما يحقق أفضل النتائج للمجتمع.  لذا فإن على الحكومة ترك أكبر قدر ممكن من الموارد الاقتصادية بيد الأفراد، حتى يتمكن المجتمع من الحصول على إنتاج أكبر.
بالإضافة إلى هذا العمل الاقتصادي، هناك عامل سياسي أدى إلى تخفيض حجم أملاك الدولة، وهو خضوع الإيرادات العامة لرقابة السلطة التشريعية، من أجل المحافظة على حقوق أفراد المجتمع.
إضافة إلى ما سبق، فإن أسلوب بيع أملاك الدولة أو تصفيتها أصبح مرغوباً فيه لأنه يسهل للدولة إيراداً سريعاً يغطي نفقاتها المتزايدة دون حاجة إلى رقابة السلطة التشريعية أو زيادة أعباء أفراد المجتمع.
بدأت أهمية الإيرادات التجارية تبرز من جديد كمصدر مهم لتمويل الخزانة العامة لكثير من الحكومات المعاصرة، لكن كان ذلك الظهور لتلك الإيرادات قد تم في شكل جديد ينعكس في جميع أنواع المشروعات الاقتصادية التي تمتلك وتدار من قبل القطاع العام وتدر على الخزانة دخلاً، مثل المؤسسات العامة الصناعية، والتجارية، والعقارية، والمالية.  ويرجع السبب في تزايد أهمية هذا المورد من جديد إلى تطور دور الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي.  ويمكن التعرف على بعض دوافع الحكومات المعاصرة في توسيع نطاق الملكية العامة لديها، وأهمها:
أ.  نقص راس المال في القطاع الخاص:  والحكومة في هذه الحالة تكون هي الوحدة الاقتصادية الوحيدة التي تتمكن من تقديم رأس المال اللازم لمشروعات مهمة وضرورية للمجتمع.  أو على الحكومة أن تتحمل الأخطار التي تتضمنها مثل تلك المشروعات، مثل مشروعات السكك الحديدية وإنشاء محطات القوى.  وتزداد أهمية هذا الدافع في الدول المتخلفة اقتصادياً، حيث تضعف إمكانيات القطاع الخاص، وتقل الحوافز فيه في مثل هذه المشروعات.
ب.  أهمية المنافع الاجتماعية للصناعة:  إذا كانت الصناعة مهمة للمجتمع، وآثارها الخارجية النافعة كبيرة أو أن تكاليفها تكون متناقصة بالنسبة لحجم الإنتاج، فإن من مصلحة المجتمع أن تمتلك الحكومة مثل هذه الصناعات، لحماية الأفراد من النفوذ الاحتكاري، أو تقديم الخدمات عند مستويات من الأسعار المقبولة.
ج.  المزايا الاستراتيجية للصناعة:  وذلك بأن تكون الصناعة ذات أهمية سياسية أو عسكرية تتعلق بالأمن القومي، حيث يتطلب أمر إقامتها نوعاً من السرية مثل الصناعات الحربية والتجهيزات العسكرية.
د.  خدمات الرفاهية الاجتماعية:  قد يكون من مصلحة المجتمع امتلاك الحكومات لمساحات واسعة من الغابات والمتنزهات القومية، بهدف المحافظة على البيئة الطبيعية وعدم تلوث الجو.  وكذلك مثل مشروعات الإسكان.
ه.  دافع الإيرادات:  ويكون السبب في امتلاك الحكومة للمشروعات العامة زيادة الإيرادات المالية للخزينة العامة عن طريق ما تحققه هذه المشروعات من أرباح، مما يؤدي إلى تخفيض عبء الضرائب على أفراد المجتمع.
الايرادات العامة للدولة
2.  الإيرادات الإدارية:
وهذه تأتي من ممارسة الدولة لوظيفتها كحكومة.  والإيرادات الإدارية تتضمن مجموعة كبيرة ومتنوعة من الإيرادات أهمها:  الرسوم، والغرامات، والرخص، والإتاوات.  وعموماً تؤخذ الإيرادات الإدارية من قبل الحكومة مقابل خدمات عامة ينتفع الفرد منها بصورة مباشرة، فإذا لم تتوافر الخدمات العامة التي تقوم بها الحكومة فلا يكون هناك إيرادات إدارية.  وغالباً ما يتحدد مقدار الاقتطاعات من الأفراد في حدود تكلفة الخدمة العامة المقدمة، أو بما يساوي المنفعة التي يستفيد منها الفرد.
وسوف نتعرض هنا للأنواع الرئيسية من هذه الإيرادات الإدارية:
أ.  الرسوم Fees:  تعتبر الرسوم من أوائل الاقتطاعات النقدية التي ظهرت في النشاط المالي للحكومات في الماضي.  حيث كانت الحكومات في السابق تعتمد على الاقتطاعات العينية وعلى التبرعات والهبات المالية المقدمة من قبل أفراد المجتمع من أجل تمويل النفقات العامة.  ونتيجة لاتساع نطاق الحاجات العامة وعدم كفاية هذه المصادر التطوعية لتمويل الإنفاق العام المتزايد، بالإضافة إلى نقص تلك المصادر، نجد أن الحكومات بدأت تطالب الأفراد بدفع مبالغ نقدية مقابل الانتفاع ببعض الخدمات العامة حتى تتمكن من تمويلها وتنفيذها.  فظهر مفهوم الرسم على اساس أن ما يدفعه الفرد من أمواله مقابل المنفعة التي يحصل عليها من الخدمة العامة كانت أكثر تقبلاً لأفراد المجتمع وأقرب غلى فهمهم.  فتوسعت الحكومات في استخدام الرسوم حتى أصبحت من أهم مصادر الإيرادات العامة بعد أملاك الدولة في القرون الوسطى.
وعلى هذا الأساس يمكن تعريف الرسم على أنه مبلغ من المال يؤخذ من الفرد مقابل خدمة خاصة تقوم بها الحكومة.  لذا فإن الرسم يتضمن بصورة أو بأخرى الصفة الاختيارية للفرد، حيث يرتبط دفعه للرسم بإرادته في الحصول على المنفعة.  بالإضافة إلى أن الخدمات التي ينتفع منها الفرد انتفاعاً مباشراً يكون لها صفة الخدمات العامة التي يفيد منها المجتمع بأسره.  إلا أن المنفعة العائدة من هذه الخدمات العامة لابد أن تكون قابلة للتجزئة بين الأفراد.  ومن الأمثلة المستخدمة كرسوم:  رسوم تسجيل الزواج والولادة، والوفاة، كذلك رسوم التليفون، وتسجيل العقارات، ورسوم إصدار جوازات السفر.
يحدد مقدار الرسم في الغالب على أساس تكاليف الخدمة المستفاد منها.  لذا فإن الرسم يعتبر مقابل المنفعة التي يحصل عليها الفرد مت تلك الخدمة.  وعلى هذا فإن الرسم يشبه إلى حد ما السعر الذي يدفعه الفرد مقابل المنفعة الخاصة للسلعة المشتراة، إلا أنه تبقى هناك فرق بين الرسم والسعر.  فالسعر يتحدد عن طريق تفاعل قوى الطلب والعرض في السوق؛ أما الرسم فمفروض وحدد على الأفراد من قبل الدولة.  بالإضافة إلى أن السعر يكون مقابل منفعة خاصة ومباشرة للسلعة المشتراة؛ أما الرسم فيكون مقابل خدمات لها نفع مباشر لدافع الرسم بالإضافة إلى أن نفعها العام للمجتمع.  زيادة على أن السعر يمكن أن يتغير مستواه حسب ظروف السوق، بينما يتحدد الرسم بقيمة واحدة على جميع المستفيدين دون تمييز بينهم.
ويمكن أن تحدد قيمة ارسم على أساس التكاليف الخاصة باستمرارية الوحد الإدارية التي تقدم مثل تلك الخدمة.  ومن الناحية الواقعة، نجد أن كثيراً من الرسوم تحدد وتعدل قيمتها بطريقة تحكمية، دون الأخذ في الاعتبار التكاليف المالية للخدمة المقدمة.  وفي الغالب يعود تحديد قيمة كثير من الرسوم في بعض الدول إلى أمور تاريخية تقوم على أساس العادة المتفق عليها في مثل هذا الشأن.
انخفضت أهمية الرسوم في معظم ميزانيات الحكومات المعاصرة، وذلك لتوسع الدولة في تقديم الخدمات العامة لجميع أفراد المجتمع بصورة مجانية بهدف تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.  زيادة على ذلك فالرسوم في كثير من الأحيان لا تحقق مبدأ العدالة؛ حيث أنها تفرض على الجميع بالتساوي، وبمبلغ مقطوع دون التمييز بين مقدرة الأفراد للدفع، وبغض النظر عن الظروف الشخصية والاجتماعية للفرد.  فنجد أن اتجاه معظم الحكومات في الوقت الحاضر نحو زيادة الإيرادات من الضرائب وإلغاء كثير من الرسوم.  وبالتالي انخفض حجم الإيرادات العامة من الرسوم في معظم ميزانيات الحكومات.
ب.  الرخص Licenses:  وهي مبالغ نقدية تأخذها الحكومة من الأفراد مقابل ما تسمح لهم بالاستفادة من القيام بنشاط معين.  لذا فإن الترخيص لا يعتمد على تقديم خدمة محدودة النوع للأفراد مثل ما هو الحال في الرسوم.  مثال ذلك، رخص المهن التجارية، ورخصة مكاتب الاستيراد والتصدير، ورخصة الصيد، ورخصة قيادة السيارات بأنواعها...الخ.
لذا فإن الترخيص يتضمن السماح بمزايا أو الاستفادة من القيام بنشاط ما.  وهذا يعتبر من جانب معين خدمة لذلك المستفيد.  ومن هنا يمكن إيجاد الشبه بين الرسوم والرخص.  وعلى الرغم من ذلك فما زالت هناك فروق أساسية بين الرخص والرسوم، أهمها أن الرسم يؤخذ مقابل خدمات خاصة ومحدودة أو ملموسة تقدم للأفراد.  كذلك يحدد الرسم عادة مقدماً من قبل القانون، إلا أنه لا يتم اقتطاع الرسوم إلا بعد إنهاء تقديم الخدمة.  بالإضافة إلى أن الترخيص يستخدم من قبل الحكومة في الغالب كأداة لتنظيم النشاطات ومراقبتها أكثر من الرسوم.  وبعبارة أخرى، فإن الترخيص يعكس سيادة السلطة اكثر من الرسوم.  زيادة على ما يتمتع به الترخيص من خاصية معينة، وهي أن عدم دفع المبلغ المقرر للحصول على الرخصة يجعل المنفعة التي يحققها الفرد من النشاط تصبح غير شرعية، ويعتبرا فرد بذلك مخالفاً للقانون.
في الغالب يحدد مقدار الترخيص على أساس تكاليف إدارة وتشغيل الوحدة الإدارية التي تعطي الرخص، ويمكن أن يقدر مبلغ الرخصة على أساس قيمة المنفعة التي سيحصل عليها الفرد من النشاط الذي تم ترخصيه.
ج.  الإتاوة Special Assessment:  وتعرف الإتاوة بأنها اقتطاع مالي تفرضه الدولة على بعض أفراد المجتمع الذين يستفيدون من بعض النشاطات والمشروعات العامة.  وعلى سبيل المثال:  نجد أن قيمة الأراضي والعقارات تزداد نتيجة قيام الدولة بمشروعات عامة، مثل المتنزهات العامة، وفتح الشوارع، وتمديد شبكة ماء وكهرباء وتليفونات.
كذلك إذا أقامت الدولة مشروعات ري، فإن قيمة الإنتاجية الزراعية للأراضي المستفيدة، وكذلك قيمتها ترتفع.  من هذا نجد أن هناك منافع قد تحققت لمالكي تلك الأراضي والعقارات في صورة مكاسب رأسمالية غير مكتسبة بجهدهم.  فالدولة هنا في ظل مفهوم الإتاوة تأخذ جزءاً من هذه المكاسب من أجل تغطية تكاليف تلك المشروعات العامة التي أسهمت في تحقيق تلك المكاسب.  أو أن الدولة تأخر الإتاوة من أصحاب الأملاك المستفيدين مشاركة منها للأرباح المتحققة التي تعتبر الدولة هي السبب الرئيسي في وجود تلك الأرباح.  ويحدد مقدار الإتاوة بمقدار تكلفة التحسينات التي تمت في ملكية الأفراد.  ومن الناحية النظرية فإن مقدار الإتاوة يجب ألا يزيد على قيمة هذه التحسينات إلا أنه من الناحية العملية لا يراعي هذا القيد باستمرار.
يلاحظ أن هناك تشابهاً بين الرسوم والإتاوة، حيث أن كليهما مبالغ نقدية تدفع إلى الدولة مقابل منفعة خاصة يحققها المستفيد من الخدمة العامة.  إلا أنه ما زال بين الرسوم والإتاوة فروق واضحة تميز كلاً منهما عن الآخر.  أهم هذه الفروق هو أن الإتاوة تقتصر على فئة معينة من الناس، وبصفة خاصة ملاك العقارات، في حين أن الرسوم لا تقتصر على فئة دون أخرى.  بالإضافة غلى ان عنصر الإجبار في الإتاوة أكثر وضوحاً منه في الرسوم، حيث لا خيار لأصحاب العقارات التي ترتفع قيمة عقاراتهم من دفع الإتاوة.  زيادة على أن حصيلة الإتاوة في معظم الأحيان تكون أقل من تكلفة المشروع، بينما حصيلة الرسوم في الغالب تغطي تكلفة الخدمة العامة.
وعلى الرغم من قدم هذا النوع من الإيرادات في معظم ميزانيات الدولة في الماضي، إلا أنه لم يجد الاهتمام الكافي به.  وكان لوجود الميزانيات المستقلة للبلديات والحكومات المحلية في كثير من الدول أثر في زيادة الاهتمام بهذا المصدر من الإيرادات.  إذ أصبحت الإيرادات العامة لهذه الميزانيات من الإتاوة تمول جزءاً كبيراً من تكاليف التحسينات التي تقوم بها الدوائر العامة في البلديات والمحليات وخاصة عند نمو المدن وتوسعها.  وكان لزيادة استخدام الإتاوة كمصدر للإيرادات العامة في هذا المجال عدة أسباب، منها أن الإتاوة أكثر الأدوات المالية عدالة في هذا المجال، حيث توزع تكاليف التحسينات العامة على المستفيدين منها بطريقة مباشرة، ويكون النفع واضحاً امامهم.  بالإضافة إلى أن استخدام الإتاوة يؤدي إلى تخفيض عبء الضرائب العامة وقيود الدين العام.  زيادة على أن فرض الإتاوة يتغلب على مشكلة إعفاء الممتلكات العقارية من الضريبة العامة.
د.  الغرامات Fines:  هي مبالغ نقدية تفرض على الأفراد المخالفين للقانون وذلك عقوبة لهم.  والهدف من الغرامات يكون من أجل تطبيق سيادة القانون.  مثال ذلك الغرامات التي تفرضها الماكم لمخالفات المرور.  لذا فإن الغرامة تعتبر مدفوعات إجبارية لا تعود بنفع مباشر على الدافع.  ويحدد القانون مبالغ الغرامات على المخالفين، ويعتمد مقدار الغرامة على مدى درجة المخالفة والاعتداء دون النظر إلى مقدرة الفرد الذي يرتكب المخالفة على الدفع.
نلاحظ أن من طبيعة الغرامات والهدف الذي تسعى لتحقيقه أنه لا يمكن أن تكون مصدراً مهماً ومباشراً للإيرادات العامة.  حيث أن الغرامة تعتبر أداة تنظيمية من أجل تحقيق العدالة والأمن بين أفراد المجتمع.  فتعتبر الغرامات بالنسبة للإيرادات العامة أمراً استثنائياً.
نلاحظ مما سبق أن الإيرادات العامة تكون بصفة عامة (باستثناء الغرامات) مقابل خدمات عامة تقوم بها الدولة لأفراد المجتمع.  بالإضافة إلى وضوح المنفعة الخاصة في هذه الخدمات، مع عدم الإقلال من وجود نفع عام في هذه الخدمات يشمل مصلحة المجتمع كله.  وبعبارة أخرى تكون المنافع الاجتماعية في مثل هذه الخدمات أكبر بكثير من المنافع الخاصة التي يتلقاها الأفراد الملتزمون بدفع هذه الإيرادات.  وذلك نتيجة لوجود الآثار الخارجية النافعة لمثل هذه الخدمات.
وعلى الرغم من تنوع أشكال الإيرادات الإدارية في معظم ميزانيات الدولة إلا أنها مازالت تشكل نسبة قليلة من الإيرادات العامة.  ولا تعتمد الحكومات على مثل هذا النوع من الإيرادات لعدم المرونة في استخدامها كأداة في السياسات المالية التي تسعى لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للحكومة.  لذا نجد أن الاتجاه نحو زيادة الاعتماد على الإيرادات الضريبية والقروض العامة.
وبعض الحكومات تلجأ أحياناً لأسلوب الإصدار النقدي لتحقيق مصدر للإيرادات العامة، حيث أن تكلفة هذه العملية أقل بكثير من القيمة الأسمية للنقد الصادر.  وهذه من الوسائل الإجبارية التي تلجأ إليها بعض الحكومات، حيث لا يكون أمام أفراد المجتمع الاختيار في استعمال النقد الرسمي.  إلا أن لهذا الأسلوب قيوداً وعقبات يمكن دراستها بتفصيل أكبر في مجال دراسة السياسة النقدية.
انواع الايرادات الادارية
3.  الإيرادات الضريبية:
يعتبر هذا النوع من الإيرادات من أهم مصادر الإيرادات العامة للدولة ي العصر الحديث.  ولا ترجع أهمية هذا المصدر لكبر حجمه المطلق والنسبي إذا ما قورن بغيره من مصادر الإيرادات الأخرى فقط، وإنما لمدى تأثير الضرائب على النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.  فالضرائب من أهم أدوات السياسات المالية العامة التي تستخدمها الدولة للتأثير على النشاط الاقتصادي بهدف تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية.  من أجل ذلك نجد أن تحليل الضرائب أخذ مكانة مهمة في دراسة علم المالية العامة.
أ.  تطور مفهوم الضريبة
اختلف آراء المفكرين حول مفهوم الضريبة ففي الماضي حين ساد مبدأ الحرية الفردية، وتعمقت روح الفردية في النظم الاجتماعية، كان ينظر إلى الضريبة على أنها سعر مقابل حماية الدولة لتلك الحرية وحقوق الأفراد.  وهذه النظر كانت ترى أن كل فرد يحتاج للخدمات العامة عليه أن يدفع مقابل ذلك.  وكأن الضريبة أمر اختياري على الأفراد أن يدفعوها كالسعر مقابل السلع والخدمات التي يطلبونها.  وهذه الأسعار تعكس من جانب الطلب المنفعة التي يحصل عليها الأفراد من تلك السلع والخدمات العامة.  وتعكس من جانب العرض تكاليف الإنتاج لهذه السلع والخدمات.  ويفترض هذا الرأي أنه يمكن التعبير عن تفضيلات دافعي الضرائب من خلال عملية التصويب في انتخابات ممثلي دافعي الضرائب في الهيئات الحكومية، مثل ما هو الحال في تفضيلات المستهلك التي تنعكس من خلال تغيرات الأسعار إلى المنتجين.  ويطلق على هذه الآراء "نظرية المساومة" التي تؤكد على حقوق الأفراد أما تزايد قوة الدولة.  فجعلت العلاقة بين الحكومة ودافعي الضرائب قريبة الشبه بالعلاقة بين البائعين والمشترين في القطاع الخاص.
أما النظرة الحديثة للضرائب على أنها إسهام من أفراد المجتمع من أجل الاستعمال العام دون تحقيق منفعة مباشرة لدافع الضريبة، فكانت نتيجة لنمو روح الجماعة التي تؤكد وحدة المجتمع والإحساس الجماعي نحو تحمل العبء العام.  فأصبحت الضريبة واجباً اجتماعياً تفرضه الدولة على المكلفين من أفراد المجتمع حتى تتمكن من تغطية تكاليف الخدمات العامة التي تقدمها للمجتمع.  وهذا ما يطلق عليه في الفكر الاقتصادي "نظرية التضامن"  التي نادى بها لوفنبرجر.  وتركز هذه النظرية على أساس الاعتقاد بوجود مصلحة عامة ومشترك بين أفراد المجتمع تقوم الدولة على رعايتها وتأمينها.
لذا فإنه لابد للدولة من موارد اقتصادية تتمككن بواسطتها إشباع تلك الحاجات العامة.  وعلى هذا فمن حق الدولة أن تفرض الضرائب على أفراد المجتمع كمشاركة منهم في تحمل الأعباء العامة.  فأصبحت الضريبة أمراً إجبارياً على أفراد المجتمع ليس لهم فيها اختيار.
تعريف الضريبة:
يمكن تعريف الضريبة حسب المفهوم الحديث بأنها مشاركة إجبارية من قبل أفراد المجتمع للحكومة /، أجل تغطية النفقات العامة، بهدف تحقيق المصلحة العامة، وبدون أي منفعة مباشرة تعود على دافع الضريبة.  وبعبارة أخرى، فالضريبة ما هي إلا اقتطاع مالي من دخول وثروات أفراد المجتمع تقوم به الحكومة عن طريق الجبر من أجل تحقيق الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة دون أن يكون هناك عائد مباشر للفرد.
خصائص الضريبة:
من هذا التعريف نجد أن للضريبة خصائص معينة تميزها عن غيرها من الإيرادات الأخرى أهمها:
1.  الضريبة اقتطاع مالي يتم بصورة نقدية:  تطالب الحكومة الأفراد بأن يسلموا جزءاً من قوتهم الشرائية من أجل الاستخدام العام.  وهذا يعود لمبدأ انتشار النقود في معظم الاقتصاديات المعاصرة لما لاستخدام النقود من مزايا عديدة.  فيحقق الدفع النقدي للضرائب عدالة أكبر بالنسبة للفرد، حيث يمكن احتساب أعباء المكلف الشخصية وأخذ ذلك في الاعتبار وكذلك نفقات الإنتاج.  كما أن الضريبة في شكلها النقدي أكبر حصيلة وأسهل في الجباية وأقل في التكلفة عما لو كانت تدفع على شكل عيني، لأن الضرائب العينية (حيث كان ذلك سائداً في الماضي) تؤدي إلى رفع تكاليف نقلها وتخزينها، بالإضافة إلى خطر انخفاض قيمتها نتيجة التلف أو تغير قيمتها السوقية.  زيادة على أن استعمال النقود في دفع الضرائب لا يتيح المجال لإساءة استعمال حصيلتها، حيث يمكن أن يتم ذلك عند جباية الضرائب العينية بأن يتم استبدالها بأصناف اقل جودة أو يتم التلاعب في الأسعار عند البيع، مما يجعل الرقابة صعبة ومرتفعة التكاليف.
وعلى الرغم من انتشار النقود في دفع الضرائب في معظم الدول المعاصرة، إلا أننا نجد أن هناك بعض الاستثناءات في استخدام الصور العينية للضريبة.  ويكون ذلك استثناءً على القاعدة، غالباً ما تكون في حالات خاصة، أو من أجل تسهيل دفع بعض أنواع الضرائب، في حالة عدم ملاءمة الصورة النقدية للمكلف وتعرضه لخسائر أو أعباء كبيرة نتيجة اضطراره لبيع ممتلكاته بأسعار منخفضة.  فعلي سبيل المثال:  فرض فرنسا ضريبة عينية أثناء الحرب على إنتاج المعادن الأساسية كالنحاس والحديد لصالح الصناعات العسكرية.  كما سمح التشريع المالي البريطاني في سنة 1956م بدفع ضريبة التركات بصورة عينية على الإنتاج الزراعي من أجل معالجة أزمة المواد الغذائية كما حصل في الاتحاد السوفيتي 1918م.
2.  الضريبة تفرض جبراً:  أي ليس للمكلف الخيار أو الإرادة في أدائها.  فهي من أعمال السيادة للدولة، حيث تحدد مبلغ الضريبة والأشخاص أو الأشياء التي ستخضع للضريبة وكيفية تحصيلها.  والتأكيد على مبدأ الإجبار للضريبة كان من المميزات الرئيسية للضريبة في المفهوم الحديث عنه في الماضي.  حيث كانت النظرة القديمة للضرائب على أنها جزء من العقد أو الاتفاق بين افراد المجتمع والدولة.  حيث يمكن لدافع الضريبة أن يرفض أو يمتنع عن الدفع.  ووفقاً للمفهوم الحديث، فإن امتناع المكلف بدفع الضريبة سوف يعرضه للعقوبات القانونية.
ويقضي مبدأ الإجبار للضريبة أن يقوم باقتطاعها شخص عام وهو الدولة.  ويقصد بذلك جميع الأشخاص الاعتباريين الذي أعطاهم القانون العام هذا الحق.  ومن هذه الشخصيات الاعتبارية الحكومة المركزية، والإقليمية، والوحدات الإدارية المحلية، والبلديات، والهيئات التشريعية أحياناً.
3.  الضريبة لا تحقق نفعاً خاصاً ومباشراً لدافع الضريبة:  وهذا يعني أن دافع الضريبة لا يتلقى أي منفعة مباشرة أو محددة تعادل ما يدفعه من ضرائب للحكومة.  ومن الطبيعي أن يحصل دافعو الضرائب على عدة منافع غير مباشرة من الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة، ولكن ليس لأي فرد الحق في المنفعة العامة المترتبة من الإنفاق العام على أساس أنه يدفع الضريبة.  فالمنفعة من الإنفاق العام يمكن أن يحصل عليها أي فرد في المجتمع دون النظر عما إذا كان يدفع ضرائب للحكومة أم لا.  وهذه الخاصية من أبرز خصائص الضريبة التي تميزها عن غيرها من الإيرادات الأخرى.  فتختلف الضريبة عن الإتاوة التي تفرض على مالكي العقارات فقط مقابل منفعة مباشرة حصلوا عليها.  كذلك تختلف الضريبة على الرسم، حيث يكون مقابل منفعة خاصة للفرد.  وعلى هذا فإن الضريبة تفرض من أجل المصلحة العامة التي تهم المجتمع كله، سواء دفع الأفراد أم لم يدفعوا.
4.  الضريبة تهدف إلى تحقيق النفع العام:  وهذا هو العائد المرجو تحقيقه من فرض الضريبة.  وهذه الخاصية للضرائب في المفهوم الحديث تؤكد أن على الحكومة استخدام حصيلة الضرائب في مجال المصلحة العامة التي تهم المجتمع كله.  وبالتالي فإن هذا المفهوم لم يعط للدولة الحق في استخدام الأموال العامة في مجالات لا تحقق ذلك الهدف.
5.  الضريبة فريضة عامة:  أي تعتبر التزاماً شخصياً يكون شاملاً، وينطبق على جميع الأفراد والمقيمين في حدود الدولة سواء كانوا مواطنين أو أجانب يستفيدون من الخدمات العامة، أو أنهم يكسبون دخولهم أو يقومون بنشاط تجاري، أو يمتلكون عقارات داخل الدولة.  وعلى ذلك فإن الضريبة تعتبر فريضة على كل شخص، سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، أو أنه مواطن أو أجنبي تنطبق عليه الشروط القانونية التي تنظم فرض الضريبة.
ب.  المبادئ الأساسية لفرض الضريبة
من المعلوم أن الاقتطاع الضريبي يعتبر من أهم مصادر الإيرادات العامة لمعظم الحكومات في الوقت الحاضر.  وفي الوقت نفسه يعتبر عبئاً مالية على دخول أفراد المجتمع وثرواتهم.  وبالتالي فإنه كلما ارتفع مقدار الاقتطاع الضريبي كان له أثران متعارضان:  الأول هو ازدياد مقدار حصيلة الضرائب لخزانة الدولة، والأثر الثاني هو انخفاض حجم الموارد الاقتصادية المتاحة لدى الأفراد مما يؤثر على المصالح الخاصة، وبالتالي يؤثر على الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية.  وعلى هذا كان لابد من التزام بمبادئ أساسية عند فرض الضرائب تهدف إلى التوفيق بين مصلحة الخزانة العامة وبين المصلحة الخاصة للأفراد.  زيادة على ذلك فإن الالتزام بمثل هذه المبادئ يهدف إلى ىايجاد نظام ضريبي جيد في الاقتصاد يمكن الحكومة من استخدام الضرائب سهولة من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى إليها.  وأخيراً يهدف وضع هذه المبادئ إلى ضمان تحقيق العدالة في توزيع العبء الضريبي بين أفراد المجتمع.
وقد تطورت المبادئ الأساسية لفرض الضريبة حسب الهدف المرجو تحقيقه منها.  فكان الهدف الذي ترمي إليه المدرسة الاقتصادية التقليدية من النشاط الاقتصادي عامة هو زيادة المقدرة الإنتاجية للاقتصاد عن طريق تحقيق أعلى معدلات نمو اقتصادية ممكنة.  وكانت ترى أن القطاع الخاص أكثر كفاءة من الحكومة في استخدام الموارد الاقتصادية نحو هذا الهدف.  لذا فإنه يجب أن يترك للقطاع الخاص أكبر قدر ممكن من الموارد الاقتصادية المتاحة لدى المجتمع.  وكذلك يجب ضمان الحرية الكافية لهذا القطاع حتى يعمل دون قيود في النشاط الاقتصادي.  وعلى هذا وضع التقليديون المبادئ الأساسية لفرض الضرائب بحيث تراعي هذه الهدف النهائي، ورأوا أن تكون الإيرادات العامة كافية فقط لتغطية نفقات وظائف الدولة الأساسية، بالإضافة إلى تحقيق العدالة في توزيع العبء الضريبي بين أفراد المجتمع، فكانت المبادئ الأساسية لفرض الضرائب التي ووضعها آدم سميث هي:  العدالة واليقين والملاءمة والاقتصاد.
حيث اختلفت النظرة حول دور الدولة في النشاط الاقتصادي تغيرت الأهداف المرجو تحقيقها من الضرائب.  فالمفهوم الحديث يجعل للدولة دوراً فعالاً ومؤثراً في النشاط الاقتصادي.  بالإضافة إلى معظم الدول تسعى إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية من وراء ذلك التدخل. فوضع الاقتصاديون المحدثون مبادئ أساسية لفرض الضريبة إضافة إلى المبادئ الأساسية التي وضعها التقليديون، حتى يتمشى النظام الضريبي مع الأهداف الجديدة للنشاط الاقتصادي، مع المشكلات الاقتصادية التي تعانيها الدولة المعاصرة.  وسوف نتعرض بالشرح لهذه المبادئ الأساسية:
أ.  مبدأ العدالة Equity:  ويتعلق هذا المبدأ بالطريقة التي توزع فيها الضرائب على المكلفين بدفعها.  وقد اختلفت الآراء حول عدالة توزيع العبء الضريبي بين أفراد المجتمع.  إذ يرى بعض الاقتصاديون أن العدالة في توزيع الضرائب تتحقق عندما يدفع كل فرد مكلف مبلغ الضريبة بما يعادل المنافع التي يحصل عليها من الخدمات العامة.  وقد عرف هذا الرأي بما يسمى "نظرية المنفعة".  ينما يرى آخرون أن عدالة توزيع الضريبة بين أفراد المجتمع تتحقق عندا تتساوي عندهم التضحية والحرمان الذي يحدثه اقتطاع الضريبة لدى المكلفين بدفعها.  وهذا يعني أن يشارك أفراد المجتمع في تحمل الأعباء العامة على أساس مقدرة كل مكلف على الدفع.  ويطلق على هذا الرأي "نظرية المقدرة على الدفع".  ويتم شرح موجز كل من هاتين النظريتين:
* نظرية المنفعة:  تفترض هذه النظرية أن هناك عقداً بين أفراد المجتمع والدولة حيث أن الدولة تقوم بدورها في تقديم الخدمات العامة والأفراد بدورهم يساهمون بدفع تكاليف هذه الخدمات بما يتناسب مع المنفعة التي يحققها كل فرد منهم من هذه الخدمات العامة.  فكانت النظرة إلى الضرائب على أنها أسعار للسلع العامة.  وأن لكل نوع من أنواع السلع العامة جدول طلب يبين الكميات التي يطلبها أفراد المجتمع عند مستويات الأسعار المختلفة.
وفي الوقت نفسه فإن للدولة جدول عرض للسلع العامة التي تقدمها.  ومستوى الضريبة التوازني وهو مبلغ الاقتطاع الضريبي العادل الذي يتحدد عند تساوي الطلب والعرض للسلع العامة، مثلما هو الحال في نظام السوق بالنسبة للسلع الخاصة.  وعلى هذا فإن هذه النظرية تقدم مبدأ العدالة لتوزيع الضرائب بين أفراد المجتمع جنباً إلى جنب مع مبدأ كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية العامة.  والمثال على استخدام هذا المبدأ في توزيع الضرائب هو فرض ضريبة على الوقود من أجل صيانة الطرق العامة.  فالأفراد الذين ينتفعون باستخدام هذه الطرق يدفعون تلك الضريبة عند شرائهم الوقود.  وقد تم استخدام هذه النظرية عند كثير من الاقتصاديين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وكان الهدف الأساسي في ذلك الوقت هو تحديد الحجم الأمثل للنشاط العام والتوزيع الأمثل لعبء الضرائب بين أفراد المجتمع.  وبعبارة أخرى كان هذا المنهج يهدف إلى تقدير المستوى المرغوب فيه للسلع العامة من قبل المجتمع وما يطابق ذلك المستوى من توزيع الضرائب بين أفراد المجتمع.
من المعلوم أن أمر قياس المنفعة التي تعود للفرد من الخدمات العامة أمراً غير واقعي.  وذلك لعدم إمكانية تقسيم المنافع لمعظم السلع العامة، بالإضافة إلى أن المنفعة أمر نفسي للشخص يصعب تحديدها.  وإذا ما تم ذلك الأمر لبعض الخدمات العامة، فإن الأفراد سيدفعون للحكومة مقابل تلك المنافع التي يحققونها مبالغ لا يطلق عليها اسم الضرائب، وإنما تكون على شكل رسوم وإتاوة ورخص.
زيادة على ما سبق فإن هذه النظرية تقوم على أساس أن توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع يكون صحيحاً من البداية، وأنه لا تأثير للضرائب على النشاط الاقتصادي والاجتماعي.  وفي الحقيقة انه لا ينكر أحد أن للضرائب تأثيراً كبيراً على النشاطات الاقتصادية والاجتماعية.  ومن الممكن أن يؤدي النشاط الحكومي إلى سوء توزيع الدخل.  ولأجل هذه القيود نجد أن كثيراً من الاقتصاديين غير منتفعين بهذا المنهج كأساس مقبول لتحقيق عدالة توزيع الضرائب بين أفراد المجتمع لعدم إمكانية تطبيقه في الحياة العملية، بالإضافة إلى عدم مطابقة هذا المنهج إلى المفهوم الحديث للضريبة باعتبارها مشاركة من أفراد المجتمع دون أن يقابلها منفعة خاصة كدافع الضريبة.  زيادة على أن هذا المنهج يقتضي فرض ضرائب أعلى الفقراء الذين ينتفعون أكثر من الخدمات العامة، مما يتعارض مع مبدأ العدالة وكذلك فإن هذا المفهوم للتوزيع لا يتمشى مع مفهوم الضريبة كأداة مهمة من أدوات السياسة المالية لها فاعلية في توجيه النشاط الاقتصادي.
* نظرية المقدرة على الدفع:  تتمشى هذه النظرية مع المفهوم الحديث للضرائب، حيث يشارك أفراد المجتمع في الأعباء العامة على أساس قدرة كل مكلف بالدفع، دون النظر إلى المنافع التي يحققها الفرد من دفع الضريبة.  وتتحقق العدالة في ظل هذا المفهوم حيث تتحقق المساواة بين الأفراد في التضحية التي تحدثها الضريبة لكل منهم.
وهذا يعني أن عدالة توزيع الضريبة بين أفراد المجتمع تتحقق عندما يتناسب مقدار الضريبة مع مقدرة أفراد المجتمع على الدفع.  وهذا يقتضي أن يدفع المكلف الذي لديه مقدرة على دفع مبالغ ضريبية أكبر من الذي يمك مقدرة صغيرة على الدفع.  ووفاً لهذه النظرية يمكن أن نجد مفهومين للعدالة.  المفهوم الأول:  يقضي بأن العدالة في توزيع الضرائب بين الأفراد تتحقق عندما يعامل الأفراد الذين لديهم مقدرة متساوية على الدفع معاملة ضريبية متساوية.  وهذا يعني أن يعامل المكلفون بدفع الضرائب بالتساوي إذا كانت لديهم القدرة نفسها على الدفع، أي أنهم يدفعون مبلغ الضريبة نفسه.  ويسمى هذا المبدأ في توزيع الضريبة بمبدأ "العدالة الأفقية".  والصورة العملية لعدالة توزيع الضرائب في ظل هذا المبدأ هي فرض ضرائب بمعدلات نسبية على هذه المقدرة فيتم اقتطاع مبالغ ضريبية من صاحب القدرة الكبيرة على الدفع أكبر من المبالغ المقتطعة من صاحب القدرة الصغيرة.
المفهوم الثاني:  يقضي بأن العدالة في توزيع الضرائب تتحقق عند معاملة الأفراد الذين لديهم مقدرة للدفع متساوية، لكن تختلف الأحوال الشخصية للمكلفين، وكذلك تختلف التزاماتهم المالية والاجتماعية، فإن مقادر الاقتطاع الضريبي لهم سيكون مختلفاً وفقاً لتلك الظروف المختلفة للأفراد.  يسمى هذا المبدأ في توزيع الضريبة "مبدأ العدالة الرأسي".  والتطبيق العملي لتوزيع الضرائب في ظل هذا المبدأ هو فرض ضرائب تصاعدية على هذه المقدرة للمكلف.
كيف تقاس المقدرة على الدفع للفرد؟  اختلفت آراء الاقتصاديين في تحديد مقياس المقدرة.  وقد وضع الاقتصاديون عدة مقاييس موضوعية لقياس المقدرة على الدفع لأفراد المجتمع أهما:  الدخل، والثروة، والإنفاق الاستهلاكي.  ويعتبر الدخل من أكثر المقاييس قبولاً.  ووفقاً لهذا المقياس فإن أصحاب الدخول الكبيرة يدفعون ضرائب عالية والعكس صحيح.  إن اعتبار الدخل كمؤشر جيد للمقدرة على الدفع يخالطه كثير من التساؤلات، منها:  ما هو نوع الدخل الذي يؤخذ في الاعتبار؛ هل هو الدخل المكتسب أم الدخل غير المكتسب؟ وهل ستكون المعدلات الضريبية واحدة أم مختلفة على كل نوع.  هل سيعتبر الدخل الإجمالي أم الصافي هو المقياس؟  فإذا أخذ الدخل الصافي في الاعتبار فإن تقدير الحسميات من إجمالي الدخل سوف تثير نوعاً من الجدل.  كذلك التساؤل عما إذا كان الدخل النقدي هو المؤشر للمقدرة على الدفع أم يمكن إدخال أشكال الدخل الحقيقي التي لم يتم تحويلها على شكل نقدي في الاعتبار.  حيث يسهم كثير من أشكال الدخول الحقيقية في رفع مستوى معيشة الفرد، مثال ذلك:  الإنتاج الزراعي من حدائق البيوت والمزارع، حيث يستهلك هذا الإنتاج من قبل المنتج وعائلته، وكذلك السكن الذي يسكنه مالكه.
وعلى الرغم من كثيرة التساؤلات حول تحديد مفهوم الدخل الذي سيتخذ كمؤشر للمقدرة على الدفع، إلا أنه يظل أكثر المقاييس استخداماً وقبولاً.
ويجب أخذ بعض الاعتبارات للدخل حتى يعبر عن المقدرة الحقيقة للدفع للفرد.  وهو اعتبار أن المقدرة تابعة للدخل الجاري المتحقق في صورة نقدية، والذي يمكن للفرد التصرف فيه.  والاعتبار الثاني، أنه يجب أن يقاس الدخل بمعدل تدفق وليس بحجم الدخل الكلي خلال فترة زمنية محددة، حيث أن كل فرد يستلم دخله خلال السنة في شكل سلسلة من الأقسام لشهرية، وليس على شكل مبلغ مقطوع يستلمه مرة واحدة.  لذا فإن درجة المقدرة على الدفع تكون أكثر دقة إذا ما استخدم مقدار القسط المتكرر خلال الفترة، وليس حجم الدخل للفترة بأكملها.  مما سبق نلاحظ أن تحديد مفهوم العدالة أمر صعب، حيث تختلف النظر حول هذا المفهوم.  بالإضافة غلى صعوبة قياس اثر الضريبة وتحديد عبئها لكل مكلف.  إلا أن تحقيق العدالة في ظل أي مفهوم يعتبر مهماً لأي نظام ضريبي لأن عدم تحقيق العدالة سيجعل النظام الضريبي مصدراً للظلم بين الفئات المختلفة في المجتمع، بجانب كون عدم العدالة مصدراً للكثير من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمعات عبر الأزمان المختلفة.
2.  مبدأ الكفاءة Efficiency:  يمكن النظر إلى هذا المبدأ من زاويتين؛ الزاوية الأولى تتعلق بكفاءة تحصيل الضريبة المفروضة، والثانية تتعلق بكفاءة الضريبة ومدى ارتباطها بكفاءة النشاط الاقتصادي بأسره.  أما كفاءة تحصيل الضريبة، فيعني أن تحقق الضريبة أعلى حصيلة ممكنة للخزينة العامة.  ويتم ذلك عندما تكون تكاليف الجباية للضريبة عند أدنى حد ممكن، وهذا يعني ألا تكون إدارة الضريبة معقدة وتحتاج إلى تكاليف مرتفعة.
وبالتالي يشعر الأفراد المكلفون بدفع هذه الضريبة بأن حصيلة الضريبة التي يدفعونها ما هي إلا مقابل زيادة في النفقات الإدارية.  وهذا من وجهة نظرهم سواء في استخدام الموارد العامة، مما يدعوهم إلى التهرب من دفع الضريبة.  وعلى هذا فإن تحقيق مبدأ الكفاءة على مستوى الضريبة يتطلب أن تكون تكاليف تحصيل الضريبة قليلة، ويتحقق ذلك بالاستغلال الكفء للإدارة الضريبية القائمة، زيادة على قبول الضريبة لدى الأفراد المكلفين، حتى يتم تعونهم ويقل تهربهم من الدفع.
أما كفاءة الضريبة المرتبطة بكفاءة تشغيل الاقتصاد، فالضريبة تتميز بالكفاءة جين لا تخفض من كفاءة النشاط الاقتصادي القائم عند فرضها.  وإذا كان هاك نشاط اقتصادي يعمل بدون كفاءة، فالضريبة تكون ذات كفاءة إذا ما رفعت من كفاءة هذا النشاط.  والضريبة التي لا تؤثر على كفاءة النشاط الاقتصادي هي التي تحافظ على مستويات الأسعار النسبية بين السلع المختلفة، وبالتالي لا تؤدي إلى الإخلال في القرارات المتخذة من الوحدات الاقتصادية، وكانوا يطلقون مصطلح "الحياد الضريبي" على الضريبة ذات الكفاءة.  وذلك لاعتقادهم أنه في ظل توافر المنافسة الكاملة في القطاع الخاص يقوم بالاستخدام الأمثل للموارد.  وعلى هذا فإن الضريبة ذات الكفاءة هي التي تحافظ على مثل ذلك الوضع عن طريق المحافظة على الأسعار النسبية.
في الواضع لا يمكن أن تكون الضرائب محايدة تماماً، حيث أن لها أثراً على قرارات الأفراد عن طريق تخفيضها لدخولهم، أو عن طريق تأثيرها على الوضع النسبي للدخول بين أفراد المجتمع.  وعلى كل حال فإن الأمر نسبي، ويمكن القول من الناحية العملية وفقاً لهذه النظرة أن الضريبة ذات الكفاءة هي التي تكون محايدة قدر الإمكان، أو التي حدث ما يسمى بالحد الأدنى من الإخلال بمستويات الأسعار النسبية.
أما إذا كان النشاط الاقتصادي غير كفء، ولا يعمل على الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية، مثل حالات فشل السوق، فالضريبة غير المحايدة التي تستخدم من أجل رفع كفاءة النشاط الاقتصادي تعتبر ضريبة ذات كفاءة.  وبصورة عامة إذ أردنا تحديد كفاءة الضريبة فإنه يجب أن نأخذ في الاعتبار استخدامات الضريبة.  فإذا أدت هذه الاستخدامات في القطاع العام إلى تخفيض المنافع التي كانت تحققها تلك الموارد المستقطعة حين كانت تستخدم في القطاع الخاص، عندئذٍ يمكن القول أن الضريبة غير ذات كفاءة، وتؤدي إلى تخفيض مستوى الكفاءة في استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة لدى المجتمع.
3.  مبدأ اليقين Certainty:  ويرتبط هذا المبدأ بمدى وضوح الضريبة بالنسبة للفرد الملتز بدفعها.  وبالتالي يقتضي هذا المبدأ أن تكون الضريبة واضحة تمام الوضوح أما المكلف.  والهدف من ذلك هو حماية دافع الضريبة من التعسف الممكن حدوثه من موظفي الإدارة الضريبية.  فالضريبة يجب ألا تكون أمراً تحكمياً، بل يجب حسابها بصورة مسبقة، وتكون معلومة واحدة لدافع الضريبة، بالإضافة إلى معرفة كل ما يتعلق بها من أمور، مثل وقت الدفع وأسلوب التحصيل.  وعدم تحقق هذا المبدأ في كل ضريبة يفتح المجال إلى فساد الإدارة الضريبية، مما ينتج عنه عدم تحقيق العدالة في فرض الضريبة.
4.  مبدأ الملاءمة Convenience:  ويتعلق هذا المبدأ بكيفية تحصيل الضريبة وتوقيت دفعها.  ويقضى هذا المبدأ بأن أسلوب دفع الضريبة وتوقيته يجب أن يكون بدقر الإمكان ملائمين ومناسبين لدافع الضريبة.  وهذا ما يخفف من العبء النفسي لدافع الضريبة ويعل الضريبة مقبولة لديه.  لذا فإن وجود هذا المبدأ يمنع أي اضطرابات غير ضرورية لدافع الضريبة قد تؤدي إلى آثار سيئة على قراراته الاقتصادية وتزيد من عبء الضريبة النفسي وهذا يساعد على التهرب من دفع الضريبة.
5.  مبدأ البساطة Simplicity:  يرتبط هذا المبدأ بالبساطة التي يجب أن تتمتع بها الضرائب المفروضة من جانب القائمين على إدارتها، ومن جانب بساطة الفهم لدافع الضريبة العادي.  وهذا يقتضي أن تكون الإجراءات والتشريعات الضريبية واضحة المعنى، لا تدع مجالاً للاختلاف في تفسيرها بين الإدارة والمكلفين.  وإن وجود نظام ضريبي معقد يجعل أمر إدارته صعباً، مما يزيد من التكاليف الإدارية الضريبية ويجعلها بالتالي غير ذات كفاءة.  وكذلك يقتضي مبدأ البساطة أن يكون فهم المكلف لا يحتمل أكثر من تفسير للضريبة، وإلا يفقد الأفراد الثقة في الإدارة الضريبية، وهذا يساعد على التهرب من دفع الضريبة، زيادة على تحمل أعباء تزيد بكثير على عبء الضريبة ذاتها.  فالضريبة قد تزيد من أعباء المكلفين بسبب تعقيدات إجراءاتها، وذلك لاستيفاء المتطلبات القانونية للضريبة.  فتزيد التكاليف الحقيقية للعبء الضريبي على المكلفين على شكل دفع مبالغ إضافية يدفعونها إلى مستشارين قانونيين من أجل تفهيمهم قانون الضريبة، ومقدار الاقتطاع الواجب دفعه، والحسميات الواجب احتسابها.
6.  مبدأ التنويع Diversity:  وهذا يتطلب فرض أكثر من ضريبة من قبل الدولة.  فيكون وضع النظام الضريبي جيداً إذا ما تنوعت الضرائب، وتطبيق هذا المبدأ يحقق للدولة إيراداً أوفر وعدالة أكبر بين فئات المجتمع المختلفة، بالإضافة إلى أن درجة الخطر وعدم التأكد بالنسبة للخزانة تكون قليلة عما لو كان النظام الضريبي يعتمد على ضرائب قليلة.  بالإضافة إلى أن قلة تنوع الضراب تزيد من ثقل العبء الضريبي على المكلفين.  زيادة على عدم عدالتها حيث تدفع إلى التهرب من أدائها.  بالإضافة إلى أن قلة عدد الضرائب سوف تقلل من عدد الأدوات المالية التي يمكن للحكومة أن تؤثر من خلالها على النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي تساعد على تحقيق الأهداف والتنسيق بينها.
7.  مبدأ المرونة Flexibility:  ويعني أن يكون هناك درجة من الاستجابة للضرائب المفروضة للتغيرات في النشاط الاقتصادي.  ويتضمن هذا المبدأ مفهومين:  الأول هو أن يكون هناك استجابة تلقائية للضرائب القائمة مع التغيرات في مستوى النشاط الاقتصادي، دون أن تضطر الدولة إلى تغيير هيكل النظام الضريبي بفرض ضرائب جديدة أو تغيير معدلات الضرائب القائمة.  وهذا المفهوم يجعل الإيرادات الضريبية تستجيب تلقائياً وبصورة طردية مع مستوى النشاط الاقتصادي السنوي.
أما المفهوم الثاني فهو أن يكون لدى الدولة الإمكانية الكافية وبالسرعة اللازمة لمراجعة هيكل الضرائب القائم في الاقتصاد وتعديله، وهذا يقتضي أن يكون لدى الدولة المرونة الكاملة في تعديل الضرائب القائمة وما تشمله من مواد وعناصر خاضعة للضرائب ومعدلات ضريبية.

لتحميل الملف اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot

المشاركات