أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

الأحد، 4 فبراير 2018

علاقة القانون بالقواعد والعلوم الاجتماعية الأخرى

علاقة القانون بالقواعد الاجتماعية الأخرى

       إن القواعد القانونية كقواعد اجتماعية لا تنفرد بحكم وتنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، بل توجد قواعد اجتماعية أخرى تؤدي معها هذا الدور، كقواعد العادات والمجاملات والتقاليد وقواعد الأخلاق وقواعد الدين،  مما يدعونا إلى دراسة التمييز بين قواعد القانون والقواعد الاجتماعية الأخرى على النحو الآتي.
 
أولاً:  القانون وقواعد العادات والمجاملات والتقاليد:
     توجد في كل مجتمع قواعد يتبعها أفراده ويقابل هذا الخروج عنها باستنكار الناس، حيث توجد قواعد تقضي بها المجاملات كالتحية عند اللقاء والتهنئة في المناسبات والمواساة في الكوارث، كما توجد قواعد يعتاد الأفراد على اتباعها أو تقضي بها التقاليد كما هو الحال بخصوص المظهر أو الملبس اللذان يختلفان وفقاً للظروف والمناسبات ووفقاً لما إذا كان الفرد رجلاً أم امرأة.

   وتتفق هذه القواعد مع قواعد القانون في أنها تحكم وتنظم سلوك الأفراد في المجتمع حيث يشعرون بأنها ملزمة لهم ويستنكرون الخروج عليها.  ومن هنا يتضح وجه الاختلاف بين هذين النوعين من القواعد بحيث يختلفان في ماهية الجزاء،  حيث يقتصر الجزاء في حالة مخالفة قواعد العادات والمجاملات والتقاليد على استنكار الناس للسولك المخالف بينما الجزاء على مخالفة القواعد القانونية هو جزاء مادي توقه السلطة العامة على المخالف بالقوة.  ويرجع السبب في اختلاف نوع الجزاء إلى قيمة المصالح التي يهدف كل نوع من هذه القواعد إلى تحقيقها، حيث إن المصالح التي تهدف القواعد القانونية غلى تحقيقها تعتبر مصالح ضرورية لا غنى عنها لضمان استقرار المجتمع وتحقيق الأمن فيه، لذلك يجب ضمان تحقيقها وفرض احترامها عن طريق توقيع جزاء مادي على المخالف من قبل السلطة علامة، أما المصالح التي تهدف إلى تحقيقها قواعد العادات والمجاملات والتقاليد فلا ترقى إلى مستوى الذي يجعلها ضرورية وهامة لإقامة النظام في المجتمع لذلك يكفي أن يكون الجزاء على مخالفتها استنكار الناس.

   إلا أنه قد ترقى بعض قواعد العادات والمجاملات والتقاليد إلى مصاف القواعد القانونية إذا رأت السلطة العامة في المجتمع أنه من المصلجة ضمان تطبيق هذه القواعد عن طريق فرض جزاء مادي على المخالف، وفي هذه الحالة يتدخل المشرع ويسطر قاعدة قانونية مضمونة بجزاء مادي بعد أن كانت هذه القاعدة مجرد قادة مجاملات أو عادة أو تقليد معين، فمثلاً قد يتدخل المشرع ويفرض زياً معيناً لطلبة المدارس للحد من التفاوت الطبقي، وقد يتدخل المشرع ويفرض عقوبة الغرامة على من يدخن في مكان عام حرصاً على صحة الأفراد، وذلك بالرغم من أن كلاً من ارتقداء الملابس والتدخين يعتبران من قبيل العادات الشخصية.
ثانياً:  القانون وقواعد الأخلاق:
     الأخلاق عبارة عن مجموعة من القواعد يساهم في تكوينها أفكار الناس عن الخير والشر بحيث تكون المثل العليا لما يجب أن يكون عليه سلوك الأفراد في المجتمع.  فهي من هذا وليدة المعتقدات والتقاليد والعادات المتأصلة في النفوس.  ويجد الناس أنفسهم ملتزمين باتباعها وفقاً لوازع أدبي يحكم تصرفاتهم ويسود علاقاتهم الاجتماعية.  فمنها القواعد التي تحض على التعاون على البر كالأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي، ومنها الوقاعد التي تنهي عن التعاون على الإثم والعدوان كالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.  ومنها القواعد التي تأمر بالوفاء بالعهد والصدق في القول.  ومنها القواعد التي توصي بأن يحب الإنسان لغيره ما يحب لنفسه.  ومنها القواعد التي تدعو إلى النصيحة والإيثار على النفس.  إلى غير ذلك من القواعد التي تنزع بالإنسان نحو السمو الخلقي والكمال.

    ويقتضي الحديث عن العلاقة بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق شرح أوجه التشابه والاختلاق بين هذين النوعين من القواعد الاجتماعية على النحول الآتي:

أوجه التشابه بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق:
أ.  تعتبر كلاً من قواعد القانون وقواعد الأخلاق قواعد سلوك تحكم وتنظم سلوك الأفراد في المجتمع وتحدد واجبات كل فرد تجاه غيره من الأفراد.
ب.  تعتبر كلاً من قواعد القانون وقواعد الأخلاق قواعد عامة ومدردة حيث أن كل النوعين من القواعد تخاطب الكافة.
ج.  تقترن كلاً من قواعد القانون وقواعد الأخلاق بالجزاء الذي يوقع على المخالف بالرغمن من اختلاق ماهية الجزاء في الأولى عنه في الثانية.
د.  تشترك كلاً من قواعد القانون وقواعد الأخلاق في تحقيق هدف واحد وهو إقامة نظام اجتماعي سليم على أساس من العدل والمساواة ، حيث يهدفان إلى تنقية المجتمع من الشر ويدعوان إلى الخير وبالتالي تحقيق الأمن والسكينة في المجتمع.

   يتضح إذن وجود صلة وثيقة بين علم القانون وعلم الأخلاق، لذلك نجد أن القانون يستند في كثير من الأحيان إلى أسس خلقية في تنظيم أمر معين كتجريم الاعتداء على النفس أو العرض أو المال.

أوجه الاختلاف بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق:
أ.  من حيث الجزاء:
     سبق القول بأن كلاً من قواعد القانون وقواعد الأخلاق قواعد ملزمة تقترن بالجزاء الذي قوع على المخالف، إلا أن الجزاء الذي تفرضه قواعد القانون يختلف عن ذلك الذي تفرضه قواعد الأخلاق سواء من حيث الطبيعة أو من حيث السلطة التي توقع الجزاء.  فمن حيث الطبيعة الجزاء الذي قوعع على المخالف لقواعد القانون هو جزاء مادي كالغرامة والحبس والإعدام والتعويض وإبطال التصرف القانوني...الخ، أما الجزاء على مخالفة قواعد الأخلاق فهو جزاء معنوي يتمثل في نفور المجتمع من المخالف ونبذه واستهجانه واستنكاره للمخالفة.

   أما من حيث السلطة التي توقع الجزاء على المخالف نجد أن السلطة العامة هي الجهة المختصة بتوقيع الجزاء على الشخص المخالف لقواعد القانون وفقاً لنوع المخالفة، بينما من يخالف قواعد الأخلاق يتولى ضمير المخالف نفسه والمجتمع الذي يعيش فيه إيقاع الجزاء عن طريق نبذ المخالف واستهجان فعلته وازدرائه.

  إلا أن اختلاف الجزاء بين نوعي القواعد لا يعني انفراد كل منهما، حيث من الممكن أن يجتمع الجزاآن معاً في فعل واحد مخالف، فمثلاً من يرتكب جريمة السرقة يوقع عليه الجزاء القانوني بالحبس كما يتعرض في نفس الوقت لازدراء الناس واستهاجنهم لفعلته، فيجتمع الجزاآن في هذه الحالة الجزاء المادي والجزاء الأدبي.

ب.  من حيث الغاية:
     إن غاية القانون غاية نفعية تتمثل في تحقيق استقار المجتمع وآمنه والحفاظ على النظام فيه بما يكفل تقدمه ورقيه وهو بذلك يراعي الواقع المعاش، أما غاية قواعد الأخلاق فهي غاية مثالية تتمثل في السمو بالإنسان نحو الكمال، وهي بذلك تراعي ما يجب أن يكون.  وبناء على هذا الاختلاف في الغاية نجد أن قواعد القانون تتخدذ من الشخص العادي نموذجاً أو معياراً يُعول عليه، أما قواعد الأخلاق فتتخذ من الشخص الكامل النموذج أو المعيار الذي بناءً عليه يُحدد ما يدخل في نطاق هذه القواعد.

ج.  من حيث التحديد والوضوح:
     إن قواعد القانون تتسم بالوضوح والتحديد وسهولة التعرف عليها وتطبيقها.  أما قواعد الأخلاق فعلى خلاف ذلك حيث تتسم بالغموض وعدم الوضوح كونها عبارة عن أحاسيس داخلية مستقرة في ضمائر الأفراد مما يؤدي إلى صعوبة التعرف عليها بشكل واضح، فالأحاسيس الداخلية قد تختلف من فرد إلى آخر.  ومن الجدي بالإشارة أن هناك بعض القواعد القانونية لا تتسم بالتحديد والوضوح، هذه القواعد هي القواعد القانونية المستمدة من العرف وذلك لكونها عبارة عن أحاسيس مستقرة في ضمائر الأفراد ونفوسهم كما هو الحال بالنسبة لقواعد الأخلاق.

د.  من حيث تقرير الحقوق والواجبات:
     تقرر قواعد القانون الحقوق والواجبات، فمثلاً القاعدة القانونية التي تقرر للشخص حق الملكية على عقار تفرض في نفس الوقت على الغير واجباً عاماً وهو احترام هذا الحق وعد التعرض للمالك في انتفاعه بعقاره.  أما قواعد الأخلاق فتقرر واجبات فقط، فمثلاً القاعدة الخلقية بضرورة مساعدة القني للفقير تفرض واجباً على لاغني تجاه الفقير إلا أنها بالمقابل لا تقرر حقاً للفقير في مطالبة الغني.

ه.  من حيث النطاق:
    تلتقي القواعد القانونية مع قواعد الأخلاق في أغلب الأحيان.  فمثلاً القواعد القانونية التي تجرم الاعتداء على النفس أو العرض أو المال والقواعد القانونية التي تقضي بالوفاء بالالتزام لكون العقد شريعة المتعاقدين والقواعد القانونية التي تمنع لإثراء على حساب الغير دون سبب، كل هذه القواعد القانونية هي قواعد خلقية.  وهناك من القواعد الخلقية ما لم يتعرض له القانون كالقواعد الخلقية التي تحث على لافضائل والصدق ومساعدة الغير.  كما يوجد من القواعد القانونية ما ليس له علاقة بالأخلاق كونها قواعد تهدف إلى تحقيق النفع الاجتماعي في مجال لا يتعلق بالأخلاق، ومن هذه القواعد تلك المتعلقة بتنظيم المرور والقواعد التي تنظم إجراءات التقاضي والقواعد التي تتطلب الكتابة لإثبات التصرفات القانونية.

   وأخيراً توجد قواعد قانونية تنافي الأخلاق، ومنها قواعد التقادم المكسب والتقادم المسقط حيث أن من يحوز عقاراً لمدة خمس عشرة سنة بنية تملكه فإنه يصبح مالكاً لهذا العقار إذا توافرت الشروط القانونية اللازمة لذلك ولو كان غاصباً له، كما يحق للمدين الذي لم يف بدينه أن يدفع في مواجهة الدائن بسقوط حقه بالتقادم المسقط إذا مضت مدة خمس عشرة سنة دون أن يطالب الدائن المدين بحقه.  إلا أنه يجب أن نشير إلى أن هذه القواعد التي تنافي الأخلاق في ظاهرها أنها تهدف في النهاية إلى تحقيق مصلحة عامة للمجتمع تعتبر أولى بالرعاية من المصلحة الخاصة وذلك في سبيل استقرار المراكز القانونية.

   نخلص إلى أن دائرة الأخلاق أوسع من دائرة القانون، حيث أن كل قاعدة قانونية إما أن تستند إلىأساس خلقي أو على الأقل تتصل بالأخلاق من ناحية اعتدادادها بتحقيق المصلحة العامة، وإلىأن أثر الأخلاق على القانون واضح حيث الغلبة النهائية للأخلاق لأن القانون يتطلع إلى الوصول للمثالية بواسطة رجال يكافحون من أجل المثل الأخلاقية.

 ثالثاً:  القانون وقواعد الدين:
   قواعد الدين عبارة عن مجموعة من الأوامر والنواهي المنزلة من الله سبحانه وتعالى إلى البشر عن طريق الرسل لتنظيم نشاط الأفراد في المجتمع وتشرد الإنسان إلى ما فيه الخير والصلاح في الدنيا والأخرة بما يؤدي إلى تحقيق العدل والأمان.

وتختلف قواعد الدين عن القواعد القانونية من عدة أوجه:
1.  من حيث النطاق:
   قواعد القانون أضيق نطاقاً من قواعد الدين، حيث إن قواعد القانون تحكم وتنظم واجبات الشخص نحو غيره، اما قواعد الدين فتحكم وتنظم واجبات الشخص نحو الله وواجبات الشخص نحو نفسه وواجبات الشخص نحو غيره، فمثلاً قواعد الشريعة الإسلامية تتضمن ثلاثة أنواع من القواعد من حيث تنظيمها للسلوك وهي:

أ.  قواعد العبادات:
   وهي التي تنظم علاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى وتفرض على الشخص واجبات نحو الله عز وجل كالصلاة والصيام والزكاة والحج...الخ.
ب.  قواعد الأخلاق الشخصية:
   وهي التي تنظم علاقة الإنسان بنفسه وواجبه تجاها كالتحلي بالصدق والأمانة والصبر والوفاء وعدم الكذب...الخ، لذلك نجد أن القواعد الأخلاقية يأمر بها الدين بحيث يعمل الدين على إرساء قواعد الأخق، مما يعني أن القاعدة الخلقية تكون في نفس الوقت قاعدة دينية.
ج.  قواعد المعاملات المالية وغير المالية:
   وهي التي تنظم علاقة الشخص بغيره في المجتمع، حيث تشتمل قواعد الدين الإسلامي على أحكام تنظم البيع والشراء والإيجار والملكية وما يتعلق بالإجراءات اللازمة لرفع الدعوى وطرق الإثبات...الخ.

2.  من حيث الجزاء:
   إن الجزاء على مخالفة قواعد الدين هو جزاء أخروي يوقع على المخالف في الآخرة.  أما الجزاء على مخالفة قواعد القانون فهو جزاء دنيوي مادي توقعه السلطة العامة بما تملكه من جبر الأفراد على الإنصياع لأوامرها.

3.  من حيث المصدر:
    إن قواعد الدين مصدرها سماوي من عند الله سبحانه وتعالى، فقد أنزلها على عباده بواسطة الرسل لما فيه من خير وصلاح لهم، أما قواعد القانون فهي قواعد وضعية من صنع البشر.
    ومن الجدير بالإشارة أن هناك قواعد دينية ينص عليها القانون فتصبح في هذه الحالة قواعد قانونية.  فمثلاً الميراث والوصية والوقف...الخ هي أمور تنظمها قواعد الدين (الشريعة الإسلامية) إلا أن المشرع وضع نصوص قانونية خاصة بهذه الأمور بحيث اتخذ من قواعد الدين مصدراً له فتصبح في هذه الحالة قواعد قانونية، كما يلاحظ أن الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وغيرها اتخذ المشرع في تنظيمها من قواعد الدين مصدراً له، حيث وضع قانوناً للأحوال الشخصية ينظم ويحكم تلك المسائل ضمن قاعدة قانونية فإن قواعد الدين التي تنظم هذه المسألة قواعد قانونية يمقتضى إحالة المشرع لها.


علاقة القانون بالعلوم الاجتماعية الأخرى

   تعتبر القواعد القانونية قواعد اجتماعية تحكم وتنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وهذا يعني أن علم القانون علم اجتماعي يرتبط بغيره من العلوم الاجتماعية الأخرى ويتصل بها اتصالاً وثيقاً بحث يعتمد عليها في بناء قواعده.

   حيث يتصل علم القانون بعلم السياسة فيضع قواعد النظام السياسي في المجتمع ويحدد السلطات المختلفة فيه من تنفيذية وتشريعية وقضائية موضحاً كيفية التعاول بيما بينها، كما يبين نظام الحكم من حيث كونه نظاماً برلمانياً أم نظاماً رئاسياً....الخ.

   ويتصل علم القانون بعلم الاجتماع حيث يعتمد عليه في التعرف على الحقائق الاحتماعية التي من خلالها تتيسر عملية تنظيم القواعد القانونية الكفيلة بمعالجتها وحكمها.

   كما يتصل علم القانون بعلم التاريخ الذي من خلاله يمكن التعرف على الأنظمة القانونية السابقة ومعرفة مدى نجاحها من عدمه وبالتالي الاستفادة من التجارب السابقة مما يؤدي إلى نجاح القاعدة القانونية في التطبيق على أرض الواقع.

  ويتصل أيضاً لعم القانون بعلم الاقتصاد السياسي الذي يعني بتنظيم المعاملات المالية، حيث تختلف صياغة وتنظيم القواعد القانونية بحسب المذهب الاقتصادي السائد (مذهب الاقتصاد الحر أم مذهب الاقتصاد الموجه)...الخ.

   يتضح إذن أن القواعد القانونية قواعد اجتماعية، ويترتب على ذلك اختلافها من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، وأن علم القانون كعلم اجتماعي يتصل برابطة وثيقة مع غيره من العلوم الاجتماعية الأخرى التي يعتمد عليها في بناء قواعده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot

المشاركات