أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

الخميس، 7 يونيو 2018

بحث حول حماية الحق pdf

بحث حول الحماية القانونية للحق


حماية الحق وإثباته واستعماله وانقضائه

تقتضي دراستنا لهذا الفصل تقسيمه إلى مبحثين، ندرس في الأول حماية الحق وإثباته وفي الثاني استعمال الحق وانقضائه.

البحث الأول
حماية الحق وإثباته
تتطلب دراستنا لهذا المبحث تقسيمه إلى مطلبين ندرس في الأول حماية الحق وفي الثاني إثبات الحق على النحو الآتي.

المطلب الأول
حماية الحق
تعريف الحماية القانونية للحق عبارة عن صفة تثبت للحق بعد وجوده ولا تعتبر عنصراً من عناصره، وبمقتضى هذه الصفة يتمكن صاحب الحق من حماية حقه والحفاظ عليه ليحقق هدفه في الوصول إلى أقصى درجات المصلحة أو المنفعة المرجوة من تمتعه بالحق واستئثاره به.  وتعتبر الدعوى هي الوسيلة القانونية لحماية الحق بواسطة القضاء، ففي حالة وقوع اعتداء على الشخص في استعماله لحقه يعطيه القانون الحق في اللجوء إلى القضاء عن طريق رفع دعوى قضائية يطلب فيها رد هذا الاعتداء والتعويض إن أصابه ضرر.  ويشترط لقبول الدعوى من القضاء توافر عدة شروط تتمثل فيما يلي:
1-  أن يتوافر لدى رافع الدعوى مصلحة في رفعها، ويتحقق وجود المصلحة بوقوع اعتداء فعلي على الحق أو يكون الحق مهدداً بالاعتداء عليه.
2-  أن تتوافر لدى رافع الدعوى أهلية التقاضي، وذلك بأن يتمتع بأهلية أداء كاملة، وإلا فيمكن أن يباشر الدعوى نيابة عنه وليه أو وصيه، أو نائبه القانوني.
3-  وجود نزاع جدي وحقيقي يبرر رفع الدعوى، بحيث لا يجوز للشخص رفع الدعوى لمجرد أن يعرف موقف القضاء في حالة وقع اعتداء على حقه.

وتمتع الشخص بالحق في الالتجاء إلى القضاء لحماية حقه لا يعني تجريد المدعى عليه من الرد على المدعي باستخدام الدفوع الممكنة، حيث يحق أيضاً للمدعى عليه أن يدافع عن حق له إن وُجد باستخدام الدفوع، وهذا يقود إلى نتيجة مفادها أن كلاً من الدعوى والدفع يعتبران وسائل للحماية القانونية.  ويصدر حكم القضاء لتنفيذ الحماية القانونية التي قررها، وقد تكون عن طريق إلزام المدعي عليه باحترام استعمال صاحب الحق لحقه ومباشرة السلطات التي يخوله القانون، كما قد تكون بإلزام المدعى عليه بأداء ما التزم به لصاحب الحق أي تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً، وقد تكون أخيراً بالحكم على المدعى عليه بدفع تعويض لصاحب الحق لجبر الضرر الذي أصابه من وقع الاعتداء على حقه.

وعلى صاحب الحق أن ثبت حقه أمام القضاء باستخدام الوسائل القانونية الممكنة حتى يقنع القضاء بأحقيته في الدعوة المنظورة أمامه، فإذا فعل ذلك يصدر الحكم لصالحه وإذا لم يفعل خسر دعواه، وعليه لا بد لنا من دراسة موضوع إثبات الحق وهذا ما سننتقل إليه حالاً.

المطلب الثاني
إثبات الحق
يتطلب كل مجتمع من المجتمعات مهما بلغت درجة الرقي الحضاري فيه وجود ضوابط تحكم تصرفات أفراده وتحسم الخصومات التي تنشأ نتيجة العلاقات القانونية المتعددة بين أفراد هذا المجتمع، ولا يتم ذلك إلا بتنظيم السُبل التي عن طريقها يمكن تحقيق هذا الهدف، وبالتالي ضمان أكبر قدر ممكن من الاستقرار في المعاملات والوصول إلى الحقيقة.  ولقد قام المشرع الفلسطيني في قانون البينات في المواد المدنية والتجارية رقم (4) لسنة 2001 بتحديد القواعد الإجرائية والموضوعية للمتقاضين والتي تحدد طرق إثبات ادعاءاتهم من أجل إقناع القاضي بحقيقة هذه الادعاءات وفهم واقعها وتطبيق حكم القانون عليها، ذلك أنه لا قيمة للحق ما لم يثبت مصدر هذا الحق عبر الوسائل التي حددها القانون.  فإذا تم إقامة الدليل على ذلك الاعتراف بالحق، وعليه فإن الإثبات محله الواقعة القانونية والغاية منه الاعتراف بالحق، ولا يثبت الحق إلا بإثبات مصدره.
ويعرف الإثبات القضائي بأنه "إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق المحددة قانوناً على صحة واقعة متنازع عليها بقصد الوصول إلى النتائج القانونية التي تترتب على صحة الواقعة المذكورة".  ويرتكز الإثبات القضائي على جملة من المبادئ الهامة والقواعد الأساسية وهي مبدأ حياد القاضي، ومبدأ المجابهة بالدليل، وقاعدة عدم جواز اصطناع الشخص دليلاً لنفسه، ومبدأ عدم جواز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه.

حدد قانون البينات في المادة السابعة منه الطرق التي يجب على الخصوم أن يتقيدوا باتباعها في إثبات ادعاءاتهم حيث جاء فيها:  "طرق الإثبات هي:  الأدلة الكتابية، الشهادة، القرائن، الإقرار، اليمين، المعاينة، الخبرة".  وتعتبر طرق أو أدلة الإثبات الوسيلة التي يلجأ إليها الخصوم لإقناع القاضي بصحة الوقائع القانونية التي يدعونها، وقد حدد المشرع كما هو واضح من النص السابق طرق الإثبات ووضع لكل وسيلة حجيتها وقوتها في الإثبات، ولكل من الخصوم أن يختار من أدلة الإثبات ما يتناسب مع حقه بشرط أن يسمح له القانون باستخدام هذا الدليل، فإذا اختار أحد الخصوم وسيلة ولم يوفق فيها أو عدل عنها، فله أن يلجأ إلى وسيلة أخرى سواء اكن قد عجز عن الإثبات بالدليل الذي سبق واستعمله أم عدل عن هذا الدليل بعد المضي فيه، إلا في اليمين حيث أن الالتجاء إليها يعتبر نزولاً عما عداها من أدلة.  ونشرح بإيجاز طرق الإثبات التي وردت في النص السابق في النقاط الآتية.

الحماية القانونية للحق

أولاً:  الأدلة الكتابية:
منح المشرع في تنظيمه لطرق الإثبات الأدلة الكتابية بالغ الأهمية بقصد ضمان أكبر قسط من الحماية للتصرفات القانونية وتحقيق الاستقرار والطمأنينة، وهذا ناتج بطبيعة الحال عن كونها دليلاً يمكن تهيئته مقدماً عند إنشاء التصرف وقبل قيام النزاع، كما ينتفي فيها في الغالب الأعم التوهم أو التحيز أو النسيان.  والأدلة الكتابية وفقاً لنص المادة الثامنة من قانون البينات هي:  السندات الرسمية، والسندات العرفية، والأوراق غير الموقع عليها.  وعرف المشرع السندات الرسمية بأنها "التي ينظمها الموظفون العموميون ومن في حكمهم الذين من اختصاصهم تنظيماً طبقاً للأوضاع القانونية، أما السند العرف فهو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو خاتمه أو بصمته ...".
ويلتزم الخصوم بالإثبات عن طريق الكتابة في حالات معينة هي:
1-  إذا كانت قيمة التصرف المدني تزيد عن مائتي دينار أردني أو ما يقابلها بالعملة المتداولة قانوناً أو كان غير محدد القيمة.
2-  فيما يجاوز أو يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي.
3-  إذا كان المطلوب هو الباقي أو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة.
4-  إذا طالب أحد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته عن مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد عن هذه القيمة.

ثانياً:  شهادة الشهود:
تُعرف الشهادة بأنها "إخبار الشخص في مجلس القضاء بواقعة حدثت من غيره، ترتب حقاً لغيره".  ولقد تناول قانون البينات الشهادة في المواد من (68) إلى (105) موضحاً الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة أصلاً، والحالات التي يمكن فيها قبول الإثبات بالشهادة استثناءاً، كما وضح المشرع إجراءات الشهادة وكيفية استجواب الخصوم وسماع الشهود ودعوتهم وسماع الشهادة المنع منها، وحجيتها في الإثبات وسلطة المحكمة في تقديرها، وأن حجية الشهادة منوطة بتقدير القاضي واقتناعه وليس كالدليل الكتابي الذي يتمتع بقوة ملزمة في الإثبات، لذلك ليس للشهادة قوة إثبات مطلقة ولا تتمتع بحجية قاطعة في إثبات الواقعة محل الإثبات.
والشهادة تُقبل حسب الأصل في إثبات الوقائع المادية والتصرفات التجارية، والتصرفات المدنية التي تقل قيمتها عن مائتي دينار أو ا يقابلها بالعملة المتداولة قانوناً، إلا أن استثناءاً قد يُقبل الإثبات بالشهادة فيما كان يجب إثباته بالكتابة وذلك في حالات محددة.
وتجدر الإشارة بأن القانون يشترط في الشخص الذي يؤدي الشهادة أن يكون أهلاً لها، ويكون كذلك إذا كان قد بلغ سنة الخامسة عشر من عمره، بحيث يدرك حقيقة ما يُخبر به، إلا أن القانون وعلى سبيل الاستثناء أجاز سماع أقوال من هو دون الخامسة عشر ولكن على سبيل الاستئناس وبدون تحليفه لليمين.

ثالثاً:  القرائن
تنص المادة (106) من قانون البينات على أنه:  "القرائن هي نتائج تُستخلص بحكم القانون أو تقدير القاضي من واقعة ثابتة ومعروفة للاستدلال على واقعة غير معروفة وهي نوعان قرائن قانونية وقرائن قضائية".  ويتضح من هذا النص أن القرينة كوسيلة من وسائل الإثبات، تعتبر من طرق الإثبات غير المباشرة لأنها لا تنصب على الواقعة الأصلية التي تعتبر مصدراً مباشراً للحق المراد إثباته، وإنما تنصب على واقعة أخرى تؤدي بدورها إلى إثبات الواقعة الأصلية، حيث تستخلص صحة الواقعة الأصلية عن طريق الاستنباط.
والقرائن نوعان:  قرائن قانونية وقرائن قضائية، والأولى هي التي ينص عليها القانون وتعفى من تقررت لمصلحته من الإثبات المباشر، والثانية يستنبطها القاضي من ظروف ووقائع ومستندات الدعوى.
والقرائن القانونية من حيث حجيتها تنقسم إلى قرائن قانونية قاطعة غير قابلة لإثبات العكس وقرائن قانونية بسيطة تقبل إثبات العكس.  بينما يرى فريق من الفقه بأن القرينة القانونية مهما بلغت درجة قطعيتها فأنها تعتبر قابلة لإثبات العكس فالأصل في القرينة أنها غير قاطعة لأنها مبنية الغالب من الأحوال.  أما القرينة القضائية فلقد ساوى المشرع بينها وبين شهادة الشهود، بحيث لا يجوز الإثبات بالقرينة القضائية إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة سواء أصلاً أو استثناءاً، ولا تتمتع القرينة القضائية بحجية كبيرة في الإثبات، حيث يمكن دحضها بجميع وسائع الإثبات ومنها شهادة الشهود.

رابعاً:  الإقرار:
عرفت المادة (115) من قانون البينات الإقرار بأنه:  "اعتراف الخصم بواقعة أو عمل قانوني مدعى بأي منهما عليه".  ويظهر من هذا النص أن الإقرار يكون عندما يعترف شخص بواقعة يدعيها شخص آخر بحيث ترتب هذه الواقعة أثراً قانونياً في مواجهته، ويعتبر الإقرار مقبولاً بشأن إثبات كافة الوقائع القانونية سواء تصرفات قانونية مدنية أو تجارية، وبغض النظر عن قيمتها وإن كانت تزيد أو تقل عن النصاب القانوني الذي وضعه المشرع للإثبات بالكتابة وهو مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، وكذلك يُقبل الإقرار بصدد إثبات الوقائع المادية.
والإقرار عمل إرادي يصدر من جانب واحد ويترتب عليه أمور غاية في الأهمية فهو يؤدي إلى إنهاء النزاع، لذلك يشترط فيه أن يكون المُقر أهلاً للإقرار، بأن يكون متمتعاً بأهلية التصرف الكاملة، لأن الإقرار بواقعة مدعى بها عليه بمثابة نزول عن الحق، وهذا يحتاج لأهلية أداء كاملة، ومثل هذا الشرط لا يشترط في المُقر له باعتبار لإقرار عمل يرتب له مصلحة ويحقق له منفعة.  والإقرار قد يكون قضائياً إذا ما صدر أمام القاضي وأثناء السير في الدعوى، وقد يكون غير قضائي إذا صدر خارج مجلس القضاء، ويعتبر الإقرار القضائي حجمة على المُقر ما لم يكذبه ظاهر الحال، فالإقرار ملزم لمن صدر عنه إلا إذا ثبت كذبه بحكم نهائي، أما الإقرار غير القضائي فترتبط حجيته بالسلطة التقديرية  للقاضي.

خامساً:  اليمين:
تناول قانون البينات اليمين كدليل من أدلة الإثبات بنوعيها الحاسمة والمتممة وفق النصوص الآتية:  تنص المادة (131) من قانون البينات في الفقرة الأولى منها على أنه:  "اليمين الحاسمة هي التي يوجهها أحد الخصوم إلى خصمه في المسائل المتنازع عليها أو في أية مسألة منها ليحسم بها نزاعاً قائماً"، وكذلك تنص المادة (146) على أنه:  "اليمين المتممة هي التي توجهها المحكمة من تلقاء نفسها لأي من الخصمين لتبني على ذلك حكمها في موضوع الدعوى أو قيمة ما تحكم به ...".
ويتضح من هذين النصين أن اليمين كأحد وسائل الإثبات التي أجازها القانون تنطوي على نوعين، يمين حاسمة يوجهها أحد الخصمين إلى الخصم الآخر عن طريق القاضي بطبيعة الحال وتحت رقابته سواء فيما يتعلق بصيغة اليمين أو ضرورة توجيهها ومدى لزم ذلك، وهذه اليمين تنتهي بها الدعوى والخصومة فهي تحسم النزاع، أما النوع الثاني فهو اليمين المتممة وهي التي يوجهها القاضي لأي من الخصمين ليستكمل ما يراه بحاجة إلى إكمال من أدلة الخصوم وذلك لتكوين قناعته، لذلك يشترط دائماً في اليمين المتممة وفقاً لنص القانون ألا يكون في الدعوى دليل كامل وألا تكون الدعوى خالية من أي دليل فاليمين من الأدلة المكملة.  ويترتب على توجيه اليمين الحاسمة، إما أن يحلف من وجهت إليه اليمين، وإما أن ينكل أو يردها على خصمه، فإن حلف كان مضمون الحلف حجة ملزمة للقاضي، أما إذا نكل عن اليمين فإنه يخسر الدعوى، فالنكول عن اليمين الحاسمة يترتب عليه الحكم على من نكل لمصلحة من وجه اليمين، إلا أن الخصم يستطيع أن يرد اليمين على خمسه ويكون ذلك في الوقائع التي يشترك فيها الخصمان فقط.

أما اليمين المتممة إذا حلفها من وجُهت إليه فإنها قد تؤدي إلى الفصل في النزاع وقد لا تؤدي إلى ذلك بحسب قناعة القاضي بشأن استكمال النقص في الأدلة من عدمه، فاليمين المتممة في جميع الأحوال لا تقيد القاضي، أما إذا نكل من وجهت إليه اليمين المتممة فتبقى أدلته المقدمة في الدعوى ناقصة بل إن الريبة والشك تزيد في صحة ادعائه، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يخسر الدعوى لأنه قد تظهر أدلة جديدة أو وقائع تؤيد ما قدمه منه أدلة وتكمل النقص فيحكم القاضي لصالحه، وعليه فإن حلف اليمين المتممة مثل النكول عنها لا يقيد القاضي بل يبقى الأمر منوط بالسلطة التقديرية في تكوين عقيدته من خلال ما يقدم من أدلة في الدعوى المطروحة أمامه.

سادساً:  المعاينة:
يقصد بالمعاينة "مشاهدة المحكمة نفسها محل النزاع للتحقق من صحة الأوصاف التي يدعيها صاحب الشأن".  وتنص المادة (1/150) من قانون البينات على أنه:  "1.  يجوز للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم الانتقال لمعاينة الشيء المتنازع عليه أو أن تنتدب أحد قضاتها لذلك".  كما تنص المادة (154) من نفس القانون على أنه:  "يجوز لمن يخشى ضياع معالم واقعة يُحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن وبالطرق المعتادة من قاضي الأمور المستعجلة الانتقال للمعاينة، وللقاضي أن يقرر عند الاقتضاء دعوة الخصوم لحضور المعاينة".
ويتضح من هذين النصين أن المعاينة كدليل إثبات تكون على نوعين:  النوع الأول يتمثل في إجراء المعاينة بصورة فرعية أثناء النظر في دعوى قائمة أصلاً، وذلك إما من المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم، وتجرى المعاينة وفق الإجراءات المعتادة التي نظمها القانون.  والنوع الثاني هو طلب إجراء المعاينة بدعوى أصلية لإثبات الحالة في حالة الاستعجال والخشية من حدوث تغييرات من شأنها أن تمس المركز القانون لطالب المعاينة، وهذا يتطلب توافر شروط معينة، وذلك لحماية الحقوق والمراكز القانونية التي يخشى من زوالها أو ضياعها، ولقد جعلها المشرع من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة.  وتعتبر المعاينة من الأدلة المهمة والخطيرة ويرجع ذلك إلى قوة تأثيرها على قناعة القاضي لأنه يعاين الواقعة محل النزاع بنفسه وذلك يساعده إلى سرعة الوصول إلى الحقيقة بالتالي سرعة الفصل في النزاع.

سابعاً:  الخبرة:
قد تعرض على القاضي أثناء نظر الدعوى بعض المسائل الفنية أو المتخصصة التي يصعب عليه إدراكها، بحيث يحتاج إلى خبير أو فين لتقييم المسألة موضوع النزاع وإبداء الرأي فيها، والخبير يساعد المحكمة في تكوين عقيدتها حول الواقعة المتنازع عليها وتستنير المحكمة برأيه.  إلا أن القاضي لا يتقيد برأي الخبير فله أن يأخذ بتقرير الخبير بأكمله، وله أن يطرحه كله، وله أن يأخذ ببعضه ويترك البعض الأخير، وكل ذلك على سبيل الاستئناس، إلا أنه في الحالة التي تقضي بها المحكمة بخلاف رأي الخبير كله أو في جزء منه فإنه يتوجب عليها بيان الأسباب التي دعتها إلى إهمال رأي الخبير كله أو بضعه.  وتجري الخبرة وفق الإجراءات التي حددها المشرع سواء فيما يتعلق بندب الخبراء ودعوتهم وتحديد أتعابهم وإجراءات ردهم وإعداد تقرير الخبير والتظلم من التقرير ومدى حجيته ...الخ.

البحث الثاني
استعمال الحق وانقضائه
تقتضي دراستنا لهذا المبحث تقسيمه إلى مطلبين، ندرس في الأول استعمال الحق وندرس في الثاني انقضاء الحق.

المطلب الأول
إن استمال الشخص لحقه يكون عبر ممارسته للسلطات التي يخولها له القانون، وتمثل هذه السلطات مضمون الحق، ويهدف الشخص من استعماله لحقه تحقيق المصلحة أو المنفعة له، فمثلاً يستعمل المالك حقه في الملكية من خلال مباشرة سلطاته في استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه ويستعمل المنتفع حق انتفاع عن طريق مباشرة سلطة الاستعمال والاستغلال...الخ، وهذا يعني أن للشخص أن يستعمل حقه في حدود القانون ووفقاً للصلاحيات الممنوحة له بخصوص حق معين، ويتمتع بهذا الخصوص بحصانة مطلقة حتى ولو أصاب الغير بضرر جراء استعماله لحقه، وهذه الحصانة المطالبة ترجع إلى المذهب الفردي وأفكاره التي كانت سائدة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والتي بناء عليها يعتبر الفرد هو الهدف من تنظيم المجتمع بحيث لا يجوز تقييد حريته في استعماله لحقه حتى ولو أصاب الغير ضرر جراء هذا الاستعمال، وفي ظل المذهب الاشتراكي تغيرت هذه النظرة حيث أصبحت الأولوية هي الحفاظ على كيان المجتمع على اعتبار أن الفرد مسخر لخدمة المجتمع وأن الحق مجرد وظيفة اجتماعية بحيث لا يعطي لصاحبه امتيازاً ل يفرض عليه التزاماً.
يظهر مما تقدم أن كلا المذهبين السابقين ينطويان على مغالاة في النظرة إلى الحق وإلى الفرد، فالمذهب الفردي يسبغ على الشخص في استعماله لحقه حصانة مطلقة حتى ولو أصاب الغير بضرر، والذهب الاشتراكي يلغي فكرة الحق ويذيب الفرد في المجتمع على نحو ينهي كيانه ووجوده.
ونتيجة لمغالاة المذهبين اتجه الفقه والتشريع إلى سلوك مذهب معتدل  يتوسط كلا النظرتين السابقتين في استعمال الحق، بحيث أنه لا يجوز أن يكون استعمال الحق مطلقاً إلى درجة الإضرار بالغير كما لا يجوز قصر الحق باعتباره وظيفة اجتماعية وإلغاء كيان الفرد ووجوده، بل لا بد من إقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة بحيث يستعمل الفرد حقه استعمالاً مشروعاً مع عدم الإضرار بالغير ويخضع للرقابة بهذا الخصوص.
إن إقامة التوازن على النحو السابق بيانه أدعى بالفقه والتشريع إلى اعتناق التعسيف في استعمال الحق واعتبارها الأساس الذي بمقتضاه يمكن التوفيق بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع في عدم إلحاق الضرر بالغير، عليه فإن دراستنا لاستعمال الحق تقتضي دراسة نظرية التعسيف في استعمال الحق.

-  نظرية التعسف في استعمال الحق:
إذا استعمل الشخص حقه في الحدود التي رسمها القانون ولم يُلحق ضرراً بالغير فلا تقع عليه أية مسؤولية، أما إذا تجاوز حدود حقه واستعمله استعمالاً غير مشروع فإنه يُسال تقصيراً باعتباره مرتكب لخطأ سبب ضرراً للغير ويُلزم بالتعويض، ومثال ذلك أن يتجاوز الشخص في البناء ويتعدى على أرض جاره.  وإذا أصاب الغير ضرر جراء استعمال الشخص لحقه وفي الحدود التي رسمها القانون فإن هذا الشخص يُسأل وفقاً لنظرية التعسيف في استعمال الحق على اعتبار أنه عند استعماله لحقه انحرف عن سلوك الرجل المعتاد مما أصاب الغير بضرر، وهذا يعني أن صاحب الحق لا يتمتع بحماية مطلقة في استعماله للحق كما سبق بيانه.
وقد نصت المادة الرابعة من مشروع القانون المدني الفلسطيني صراحة على عدم جواز التعسف في استعمال الحق، حيث جاء فيها:  "لا يجوز التعسف في استعمال الحق".  وإذا كان التعسف في استعمال الحق أمر غير جائز، فإن هذا يقودنا إلى دراسة متى يعتبر الشخص متعسفاً في استعمال حقه، وما هو الجزاء المترتب على تعسف الشخص في استعمال حقه.

أولاً:  معايير التعسف في استعمال الحق
تنص المادة الخامسة من مشروع القانون المدني الفلسطيني على أنه:  "يعد استعمال الحق تعسفياً في الأحوال الآتية:  1.  إذا لم يقصد به سواء الإضرار بالغير.  2.  إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة.  3.  إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.  4.  إذا كان من شأنه أن يلحق بالغر ضرراً غير مألوف".  ويتضح من هذا النص أنه يوجد أربع حالات إذا توافرت إحداها لدى استعمال الشخص لحقه فإنه يعتبر متعسفاً في استعمال الحق، وندرس فيما يلي حالات التعسف في استعمال الحق.

1-  قصد الإضرار بالغير:
يعتبر الشخص متعسفاً في استعمال حقه إذا قصد الإضرار بالغير، فمثلاً من يبني حائطاً في عقار يملكه أو يغرس أشجاراً فيه بقصد حجب الضوء أو الهواء عن جاره يتوافر لده قصد الإضرار بالغير ويعتبر متعسفاً في استعمال حقه حتى ولو تحققت له منفعة من بناء الحائط أو غرس الأشجار أو كان يقصد أيضاً تحقيق المنفعة، لأن العبرة باعتباره متعسفاً وفقاً لهذا المعيار هو توافر قصد الإضرار بغيره.  وعلى من أصابه ضرر من استعمال الشخص لحقه مع توافر قصد الإضرار لديه أن يقيم الدليل على لك، ويحق له أن يسلك كل طرق الإثبات بما فيها القرائن، ويستخلص القضاء توافر قصد الإضرار لدى الشخص من انتفاء المصلحة من استعماله لحقه على نحو معين أو تفاهتها، ويعتبر هذا المعيار شخصياً لأنه يعتمد على نية الشخص بحسب ما إذا كان يقصد الإضرار بالغير أم لا يقصد.

2-  عدم مشروعية المصلحة:
يعتر الشخص متعسفاً في استعمال حقه إذا كانت المصلحة اليت يبتغي تحقيقها من استعمال الحق غير مشروعة، وتكون المصلحة غير مشروعة، إذا كانت مخالفة للقانون أو للنظام العام والآداب العامة، فمثلاً يعتبر متعسفاً في استعمال حقه في الاستئجار الذي يستأجر بيتاً للدعارة أو القمار، ويعتبر متعسفاً في استعمال حقه رب العمل الذي يفصل العامل بسبب انتمائه السياسي أو عمله النقابي، حيث تعتبر المصلحة التي يبتغي تحقيقها الشخص من استعمال الحق في هذه الأحوال غير مشروعة لكونها تخالف القانون العام والآداب.

3-  رجحان الضرر على المصلحة رجحاناً كبيراً:
يعتبر صاحب الحق متعسفاً في استعمال حقه إذا كان الضرر يصيب أكبر بكفير من المسلحة التي تعود عليه، ولذلك يعتبر الشخص متعسفاً في استعمال حقه إذا كان يستطيع استعماله بعدة طرق إلا أنه اختار أكثرها إضراراً بالغير، ومثال ذلك أن يقيم الشخص مدخنة في منزله في مكان قريب من جاره بحيث يضر به ضرراً بالغاً في حين أنه يستطيع أن يقيمها في مكان آخر في منزله دون أن يقلل ذلك من المنفعة المرجوة، أو أن يتمسك الشخص صاحب حق الارتفاق باستعماله حقه رفع أن المصلحة التي تعود عليه من الاتفاق زالت أو أصبحت قليلة لا تتناسب البتة مع إثقال العقار الخادم بحق ارتفاق، كأن يكون لشخص حق ارتفاق بالمرور على عقار جاره بهدف الوصول للطريق العام ثم تقوم الدولة بشق طريق آخر من الجهة المقابلة بحيث يمكن لصاحب العقار المرتفق استعماله دون أية تكاليف أو بتكاليف بسيطة، فيكون في هذه الحالة لمالك العقار الخادم أن يتحرر من حق الارتفاق تعسيفاً في استعمال الحق.  ويعتبر معيار رجحان الضرر على المصلحة رجحاناً كبيراً معياراً موضوعياًن حيث يتوقف على الوازنة بين الضرر الذي يصيب الغير والمصلحة التي تعود على الشخص من استعمال الحق، كما أن ضآلة المصلحة تعتبر قرينة على توافر قصد الإضرار وفقاً لما شرحناه في المعيار الأول للتعسف.

4-  إذا كان الضرر غير مألوف (تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة)
يعتبر الشخص متعسفاً في استعمال حقه إذا سبب ضرراً غير مألوفاً للغير، ويكون الضرر غير مألوف إذا تجاوز صاحب الحق في استعمال حقه ما جرى عليه العرف والعادة.  فمن حق الشخص أن يستعمل حقه استعمالاً مشروعاً وبكل أوجه الاستعمال كأن يستعمل التلفزيون والراديو والفيديو وأن يقيم الحفلات والأفراح في بيته وأن يجلس في حديقة منزله وينشر الملابس فيها، إلا أن مثل هذا الاستعمال يجب ألا يجاوز ما جرى عليه العرف والعادة وبالتالي يصيب الغير بضرر غير مألوف، فمثلاً إذا أقام شخص حفلة في بيته فلا يجوز أن تستمر الحفلة مع ما تحدثه من إزعاج للجار إلى وقت متأخر لا يتفق مع ما هو سائد من عرف أو عادة بهذا الخصوص، أو أن يرفع الشخص صوت التليفزيون أو الراديو عالياً بحيث يزعج الجار الأن هذا الاستعمال لا يتفق مع الأعراض والعادات السائدة بهذا الخصوص.
والعرف يختلف من مكن لآخر ومن زمان لآخر لذلك ما يعتبر مخالفاً للعرف ومسبباً لضرر غير مألوف في البلاد العربية يختلف عن نظيره في البلاد الأوروبية، فمثلاً في البلاد الأوروبية يحق للشخص يوم السبت أن يرفع صوت التلفزيون أو الراديو حتى الساعة الثانية عشر ليلاً ولا يعتبر بهذا الاستعمال متعسفاً في استعمال حقه، أما في البلاد العربية فيعتبر هذا الاستعمال مخالفاً للأعراف والعادات السائدة ومسبباً لضرر غير مألوف للجيران وبالتالي يعتبر الشخص متعسفاً في استعمال حقه.

ثانياً:  الجزاء المترتب على التعسف في استعمال الحق:
يعتبر التعسف في استعمال الحق عملاً غير مشروعاً ويستتبع مسؤولية المتعسف مسؤولية تقصيرية بحيث يأخذ الجزاء إحدى الصور الآتية:
1-  الجزاء العلاجي (التعويضي):  يعتبر المتعسف في استعمال حقه مسئولاً عن تعويض الشخص المضرور عما أصابه من ضرر جراء التعسف في استعمال الحق، ويخضع التعويض للأحكام العامة المقررة في المسؤولية التقصيرية. 
2-  الجزاء الوقائي:  تختص نظرية التعسف في استعمال الحق بهذه الصورة من صور الجزاء عن المعهود في قواعد المسؤولية التقصيرية، حيث يحق للغير أن يمنع صاحب الحق من استعمال حقه استعمالاً تعسفياً منعاً لوقوع الضرر، فبهذه الصورة يمنع الغير وقوع الضرر بأن يطلب من القضاء منع صاحب الحق من التعسف في استعمال حفيه لما يصيبه من ضرر لو تم الاستعمال، ومثال ذلك إذا أقام شخص بناء على أرضه وتجاوز بالبناء على أرض جاره قدراً قليلاً وطلب الجار من القضاء هدم البناء فيستطيع المتجاوز بالبناء أن يطلب من المحكمة أن تحكم للجار تعويضاً بدلاً من هدم البناء لأن هدم البناء يصيبه بضرر كبير وخسارة فادحة، في هذه الحالة يعتبر إصرار الجار على هدم البناء تعسفاً في استعمال حقه ويكون للمحكمة أن تجيب المتجاوز بالبناء لطلبه وتحكم للجار بالتعويض بدلاً من الهدم.  وعليه فإن هذه الصورة من صور الجزاء ترتبط بشكل كبير بحال تعنت الدائن في المطالبة التنفيذ العيني وإصابة المدين نتيجة لذلك بخسارة فادحة، فيحق في هذه الحالة للمدين أن يطلب من القضاء الحكم عليه بالتعويض بدلاً من التنفيذ العيني.
3-  إزالة أثر المخالفة:  تتمثل هذه الصورة من صور الجزاء على التعسف في استعمال الحق بإزالة أثر المخالفة ومحو مظهر التعسف وإعادة الحال إلى ما كانت عليه، ومثال ذلك أن يقرر القضاء عودة العامل الذي فصل فصلاً تعسفياً إلى عمله، أو أن يقرر إزالة الحائط الذي بناه المالك على أرضه بهدف حجب الضوء ومنع الهواء عن الجار، أو أن يقر القضاء نقل المدخنة التي أحدثها الشخص في بيته إلى مكان آخر في البيت لرفع الضرر عن جاره ...الخ.

المطلب الثاني
انقضاء الحق
تتطلب دراستنا لانقضاء الحقوق دراسة انقضاء الحقوق العينية ثم انقضاء الحقوق الشخصية وذلك في النقاط الآتية. 

أولاً:  إنقضاء الحقوق العينية:
تنقسم الحقوق العينية إلى حقوق عينية اصلية وحقوق عينية تبعية، وندرس في النقاط الآتية الحقوق العينية الأصلية ثم انقضاء الحقوق العينية التبعية.

1- انقضاء الحقوق العينية الأصلية:
تتمثل الحقوق العينية الأصلية بحق الملكية والحقوق المتفرعة عنه كحق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى وغيرها، وتنقضي هذه الحقوق جميعاً بهلاك الشيء الذي ترد عليه، فمثلاً إذا انهدم المنزل ينقضي حق الملكية كما تنقضي الحقوق المتفرعة عن حق الملكية الواردة عليه كحق الانتفاع أو حق السكنى.  وتنقضي هذه الحقوق باستثناء حق الملكية بالتقادم المسقط أي بعدم استعمالها مدة خمسة عشرة سنة، فمثلاً إذا كان لشخص حق انتفاع على عقار ولم يستعمل هذا الحق مدة مرور الزمان ينقضي حق الانتفاع، أما حقا لملكية ف يتقادم لأنه حق دائم لا يسقط بعدم استعمال المالك له، فللمالك أن يستعمل حقه أو لا يستعمله دون أن يرتب القانون أي أثر قانوني على ذلك، ولكن إذا اقترن عدم استعمال المالك لملكه بحيازة الغير لهذا الملك واستمرت هذه الحيازة مدة مرور الزمان المقدرة بخمس عشرة سنة، فإن الحائز يكتسب الملكية بالتقادم المكسب، وذلك لا يعني سقوط الملكية بعدم الاستعمال بل يعني أن القانون قد رجح مصلحة الحائز الذي وضع يده على الشيء مدة طويلة وحافظ عليه واستغله على مصلحة المالك الذي أهمل حقه فترة طويلة دون أن يدفع الاعتداء الواقع عليه.

2-  انقضاء الحقوق العينية التبعية:
تنشأ الحقوق العينية التبعية تابع لحق شخصي تضمن الوفاء به كما وضحنا سابقا، وعليه فإنها ترتبط وجوداً وعدماً بالحق الشخصي الذي تضمن الوقاع به فإذا انقضى الحق الشخصي بأني سبب لانقضائه كالوفاء مثلاً فإن الحق العيني التبعي (الرهن مثلاً) الذي يضمنه ينقضي.

ثانياً:  إنقضاء الحقوق الشخصية:
يعتبر الحق الشخصي حقاً مؤقتاً بطبيعته فهو آيل إلى الانقضاء حتماً لأن تأبيد الالتزام يتعارض مع الرحية الشخصية، فالأصل في الذمة البراءة أما الالتزام فهو أمر عارض لا بد من انقضائه حتماً.  وقد حدد مشروع القانون المدني الفلسطيني أسباب انقضاء الحق الشخصي أو الالتزام في الباب الخامس من الكتاب الأول، بالوفاء وما يعادل الوفاء وانقضائه دون الوفاء به ونعرض فيما يلي بإيجاز لهذه الأسباب.

أ-  إنقضاء الحق الشخصي بالوفاء:
الوفاء عبارة عن اتفاق بين الموفى والوفى له على قضاء الدين، ويتمثل بقيام المدين بتنفيذ ذات ما لتزم به عن طريق قيامه بالعمل أو امتناعه عن العمل أو إعطائه لشيء.  وقد يتم الوفاء باختيار المدين ويسمى وفاءً اختيارياً كما قد يتم الوفاء جبراً عن المدين إذا ما رفع الدائن الأمر إلى القضاء وطلب الحكم على المدين بالتنفيذ العيني لما التزم به واستجاب القضاء لذلك في هذه الحالة بالوفاء الجبري.

ب-  انقضاء الحق الشخصي بما يعادل الوفاء: 
حدد مشروع القانون المدني الفلسطيني أسباب انقضاء الحق الشخصي أو الالتزام بما يعادل الوفاء بالوفاء بمقابل والتجديد بالإنابة والمقاصة واتحاد الذمة، وندرس فيما يلي هذه الأسباب بإيجاز.
1-  الوفاء بمقابل:  الوفاء بمقابل عبارة عن قبول الدائن من المدين في استييفاء حقه شيئاً آخر غير الشيء المستحق أصلاً، ومثال ذلك أن يكون الشخص مديناً بمبلغ من النقود فيقبل الدائن منه سيارة أو أي شيء آخر بدلاً من دفع مبلغ النقود.  وبناء عليه يشترط في الوفاء بمقابل أو الوفاء الإعتيادي أن يعطي المدين للدائن شيئاً وفاء لالتزام عليه وألا يكون هذا الشيء هو المستحق أصلاً على المدين وأن يقبل الدائن هذا الوفاء وأن يتم تنفيذ هذا الاتفاق بشكل فوري وفعلي بحيث يكون الاتفاق مصحوباً بالتنفيذ.
2-  التجديد:  التجديد عبارة عن استبدال دين جديد بدين قديم مغاير له في عنصر من عناصره، هذا العنصر قد يكون الدين أو أحد طرفي الالتزام - الدائن أو المدين-، ويعتبر التجديد طريقاً من طرق انقضاء الالتزام ومصدراً من مصادر إنشائه في آن واحد حيث ينقضي به الالتزام القديم وينشأ الالتزام الجديد الذي يحل محله ويكون مغايراً له في أحد عناصره الجوهرية.  ومثال التجديد بتغيير الدين (المحل) كأن يكون المدين ملتزماً بالقيام بعمل فيتفق مع الدائن على أن يصبح مبلغاً من النقود، والتجديد بتغيير المدين يتم بأن يتفق الدائن مع الغير على أن يكون هو المدين وتبرأ ذمة المدين الأصلي، أما التجديد بتغيير الدائن يتم باتفاق المدين والدائن القديم والدائن الجديد على أن يحل الدائن الجديد محل الدائن القديم.
3-  الإنابة في الوفاء:  الإنابة في الوفاء عبارة عن التزام شخص أجنبي يسمى المناب بالوفاء بدلاً من المدين الذي يسمى المنيب بعد رضاء الدائن الذي يسمى المناب لديه، ويترتب على الإنابة انقضاء الالتزام السابق وهو التزام المدين المنيب قبل الدائن المناب لديه ونشوء التزام لاحق الدين فيه هو المناب لديه والمدين هو المناب.
4-  المقاصة:  المقاصة عبارة عن انقضاء الدين أو طريق لانقضاء دينين متقابلين في ذمة شخصين كل منهما دائن ومدين للآخر في نفس الوقت فينقضي الدينان بقدر الأقل منهما.  وثمال ذلك أن يكون أ دائن لـــ ب ب 1000 دينار ثم نتج عن عملية قانونية بينهما أن أصبح ب دائن لـــ أ بــــ 500 دينار، قتتم المقاصة بينهما لأن كلاً منهما دائن ومدين للآخر بقدر الأقل منهما بحيث يصبح أ دائن لـــ ب بـــ 500 دينار.  وللمقاصة ثلاثة أنواع:  مقاصة قانونية ومقاصة اتفاقية ومقاصة قضائية، وندرس بإيجاز هذه الأنواع الثلاثة:
أ.  المقاصة القانونية:  هي التي تقع بحكم القانون إذا توافرت شروطها، وتعتبر أهم أنواع المقاصة، وتتمثل شروط المقاصة القانونية في تلاقي دينان في ذمة شخصين كل منهما دائن ومدين للآخر وتماثل محل الدينين بحيث يكون الدينان من النقود أو الأشياء المثلية المتحدة في النوع والجودة، أما إذا كان أحد الدينان شيء قيمي أو كلاهما أو كان المحل يتمثل في القيام بعمل أو الامتناع عن عمل فلا تقع المقاصة لعدم تماثل محل الدينان، كما يشترط خلو الدينان من النزاع وأن يكون كلاً منهما مستحق الأداء وصالح للمطالبة به قضاءً، فإذا توافرت هذه الشروط تقع المقاصة بقوة القانون وينقضي الدينان بقدر الأقل منهما دون حاجة إلى اتفاق ومن الوقت الذي أصبح فيه الدينان صالحين للمقاصة بتوافر شروطها، إلا أنه يجب أن يتمسك بالمقاصة صاحب المصلحة أمام القضاء.
ب-  المقاصة الاتفاقية:  هي التي تقع بناء على اتفاق الأفراد نتيجة عدم توافر أحد شروط المقاصة القانونية كأن يكون أحد الدينان شيء قيمي والآخر مثلي، فإن اتفق الطرفان على وقوع المقاصة بين الدينان رغم عدم تماثل المحل فإنها تقع ولكن من تاريخ الاتفاق على خلاف المقاصة القانونية التي تقع منذ توافر شروطها.
ج-  المقاصة القضائية:  هي التي تقع بحكم القضاء بصدد دعوى مرفوعة أمامه يفض الحكم فيها النزاع حول الدين فيصبح كلا الدينان صالحان للمقاصة فتقع، إلا أن وقوعها يكون من تاريخ صدور الحكم.
5-  اتحاد الذمة:  اتحاد الذمة عبار عن اجتماع صفتي الدائن والمدين في شخص واحدة بالنسبة لدين واحدة على نحو يستحيل معه المطالبة بالدين لاستحالة مطالبة الشخص لنفسه.  واتحاد الذمة قد يقع سبب الوفاة في حالتي الميراث والوصية، فمثلاً إذا توفى الدائن وكان وارثه الوحيد هو المدين فينقضي الدين كله في هذه الحالة لاتحاد الذمة، أما إذا كان يوجد ورقة آخرين معه ينقضي الدين بقدر نصيب المدين في الميراث، وإذا أوصى الدائن للمدين بثلث التركة فإنه بعد وفاة الوصي يصبح المدين دائناً لنفسه في حدوث ثلث الدين وتتحد الذمة بهذا القدر.  كما قد يقع اتحاد الذمة في حال الحياة ومثال ذلك أن تقوم الشركة بشراء سندات دين سبق وأن أصدرتها فتصح دائنة ومدينة لنسفها فيقع اتحاد الذمة وينقضي الدين.
ج-  انقضاء الحق الشخصي دون وفاء:
ينقضي الحق الشخصي دون وفاء عن طريق الإبراء واستحالة التنفيذ والتقادم المسقط، وندرس هذه الأسباب بإيجاز فيما يلي:
1-  الإبراء:  الإبراء هو عبارة عن نزول الدائن عن حقه قبل المدين مختاراً دون مقابل، فهو تصرف إرادي منفرد يقع بإرادة الدائن وحدها ولا يحتاج إلى قبول من المدين وينتج آثره من وقت علم المدين به.
2-  استحالة التنفيذ:  استحالة التنفيذ عبارة عن سبب لانقضاء الالتزام نتيجة وجود سبب أجنبي لا يد للمدين فيه يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً حيث لا التزام بمستحيل.  ويشترط لانقضاء الالتزام بموجب هذا السبب أن يصبح تنفيذ الالتزام مستحيلاً استحالة تامة بحيث يعجز المدين بشكل تام عن الوفاء به، وأن تكون الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي لا يد للمين فيه مثل القوة القاهرة، فمثلاً إذا وقع زلزال أدى إلى انهدام المنزل الذي يقع على عاتق المدين تسليمه للمشتري فإن التزام البائع (المدين بالتسليم) ينقضي نظراً لاستحالة التنفيذ حيث لا تكليف بمستحيل، وإذا تعهد رسام برسم لوحة فنية ثم بترت يداه نتيجة حادث ألم به فلن يستطيع تنفيذ التزامه تجاه الغير في هذه الحالة وينقضي هذا الالتزام لاستحالة التنفيذ، وإذا مرض الممثل في اليوم المحدد لعرض المسرحية فيستحيل في هذه الحالة أن يوفي بالتزامه وينقضي هذا الالتزام لاستحالة التنفيذ.
3-  التقادم المسقط:  التقادم المسقط عبارة عن دفع يؤدي إلى انقضاء الحق إذا ما تسم به المدين بعد مضي مدة معينة حددها القانون دون أن يطالب الدائن بحقه.  حيث دفعت اعتبارات المصلحة العامة واستقرار المعاملات إلى اعتبار مرور الزمان سبباً من أسباب انقضاء الالتزام دون وفاء، فإذا تقاعس الدائن عن المطالبة بحقه مدة طويلة قدرها المشرع بخمس عشرة سنة ثم رفع دعوى أمام القضاء مطالباً بهذا الحق فإنا لمدين يحق له أن يتمسك بالتقادم المسقط كدفع ويرد به دعوى الدائن ويفقد الدائن على هذا النحو حقه.  ويشترط لقبول دفع اليمين بالتقادم المسقط مضي المدة التي حددها القانون دون أن يتخللها وقف أو انقطاع وسكوت الدائن عن المطالبة بحقه طوال هذه المدة دون عذر شرعي يتعذر معه على الدائن المطالبة بحثه والعذر الشرعي قد يكون مانعاً مادياً كقيام حرب أو ثورة يترتب عليها تعذر المطالبة بالحق، وقد يكون مانعاً أدبياً نتيجة وجود علاقة بين الدائن والمدين يتعذر بوجودها على الدان أن يطالب بحقه كعلاقة الزوج بزوجته وعلاقة المخدوم بالخادم وعلاقة الابن بأبيه، كما قد يكون مانعاً قانونياً كنقص أهلية الدائن أو انعدامها.
إذا توافرت الشروط السابقة ولم يكون لدى الدائن عذر رعي يوقف مدة مرور الزمان على ما سبق بيانه، وتمسك المدين أمام القضاء بالتقادم المسقط فإن القضاء يحكم برد دعوى الدائن ويترتب على ذلك انقضاء الالتزام.

لتحميل الملف اضغط هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot

المشاركات