أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

الخميس، 8 فبراير 2018

نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان والمكان والأشخاص

نطاق سريان القواعد القانونية

نطاق سريان القواعد القانونية من حيث الأشخاص
أولاً:  مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون:
   تطلب العدالة أن يطبق القانون على كل شخص يعلم به، لأنه بدون علم الشخص بالقاعدة القانونية قد يخالفها تحت ذريعة جهله بأحكامها، إلا أن تطبيق هذا الأمر  يؤدي عملاً إلى عدم الاستقرار واضطراب المعاملات بين الأفراد وبالتالي شيوع الفوضى، لذلك استقر مبدأ قانوني راسخ في عالم القانون يقضي بعدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون.  بمعنى أنه لا يجوز للشخص أن يبني مخالفته للقانون على ذريعة جهله به، فالقاعدة القانونية عندما تنشأ بوجود أي مصدر من مصادرها وتدخل حيز النفاذ لا يجوز لأي شخص أن يخالفها حتى ولو كان لا يعلم ها، وهذا يعني أن من يخالف القانون يعاقب رغم عدم علمه به.
   وتطبيق هذا المبدأ لا ينطوي على ظلم للأفراد في أغلب الأحوال، ويرجع ذلك إلى أن المشرع كفل الوسيلة الناجعة للعلم بالتشريع كمصدر رسمي أصلي للقانون من خلال إجراءات الإصدار والنشر في الجريدة الرسمية كما سبق بيانه.  والقاعدة القانونية العرفية أي التي مصدرها العرف ناتجة عن شعور الأفراد بإلزامها وهذا هو الركن المعنوي للعرف اللازم توافره لنشأة قاعدة قانونية مصدرها العرف، مما يعني توافر العلم لدى غالبية أفراد المجتمع بهذه القاعدة.  وكذلك الحال بالنسبة للقاعدة القانوينة التي مصدرها مبادئ الشريعة الإسلامية، حيث تنشأ هذه القاعدة مستندة إلى القواعد والأصول الكلية في الشريعة الإسلامية والتي يعلم بها الأغلب الأعم من أفراد المجتمع.  وينطبق نفس المفهوم على القاعدة القانونية التي مصدرها مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، حيث من المنطق أن يعلم الأفراد في المجتمع بما يحقق العدل بينهم بناءً على قواعد المنطق السليم.
ثانياً:  الإستثناء على مدبأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون:
   يتضح مما تقدم أن مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون يطبق على كل القواعد القانونية أياً كان مصدرها أي سواء كان التشريع أو الشريعة الإسلامية أو العرف أو مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.  إلا أنه يرد على هذا المبدأ استنثاء وحيد إذا وجد يعذر الشخص بجهله بالقانون، ويتحدد نطاق هذا الاستثناء بالقواعد القانونية التشريعية أي التي مصدرها التشريع، حيث يعذر الأفراد بجهلهم بالقاعدة القانونية في حالة عدم وصول الجريدة الرسمية إليهم بسب قوة قاهرة كحالة حرب أو كارثة طبيعية منعت وصول الجريدة الرسمية إلى مكان معين في الدولة، فيعذر في هذه الحالة الأفراد المقيمين في هذا المكان أو البلدة بجهلهم بالتشريع الذي تم نشره في الجريدة الرسمية.
    ويرجع السبب إلى هذا الاستثناء إلى أن والوسيلة الوحيدة للعلم بالقواعد القانونية التشريعية هي نشرها في الجريدة الرسمية، وطالما أنه تعذر وصولها إلى مدينة معينة داخل الدولة يعذر سكان هذه المدينة بجهلهم بهذه القواعد القانونية التشريعية، إلا أنه بعد زوال العذر بوصول الجريدة الرسمية إلى هذه المدينة نعود إلى الأصل وهو عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون.
    نلخص إلى أنه لا يجوز لأي شخص الاعتذار بجهله بالقانون أياً كان المبرر الذي يستند إليه، وعليه لا يجوز للغالب لفترة طويلة خارج الدولة ولا للمريض ولا للأمي الذي يجهل القراءة أن يعتذر بجهله بالقانون لأي سبب من هذه الأسباب مع مراعاة تطبيق الاستثناء على هذا المبدأ وفي حدوده.
نطاق سريان القاعدة القانونية من حيث الاشخاص والمكان والزمان


نطاق سريان القواعد القانونية من حيث المكان
   يقصد بتحديد نطاق سريان القواعد القانونية من حيث المكان تحديد ما إذا كان القانون يطبق على كل المقيمين على أرض الدولة سواء كانوا وطنين أم أجانب أم يطبق على الوطنيين فقط دون الأجانب وأينما وجدوا سواءً داخل إقليم الدولة أو خارجها.  وبهذا الخصوص يوجد مبدأين مبدأ إقليمية القوانين ومبدأ شخصية القوانين، ويتحدد نطاق سريان القواعد القانونية من حيث المكان على ضوء اعتناق المشرع لأحد هذين المبدأين دون الآخر.  وهذا يستدعي توضيح المقصود بكل مبدأ على حده تم تحديد موقف مشروع القانون المدني الفلسطيني وذلك في النقاط التالية:
أولاً:  مبدأ إقليمية القوانين:
    يقصد بمبدأ إقليمية القوانين ان القواعد القانونية تطبق على كل من يقيم على إقليم الدولة سواء كانوا وطنيين أم أجانب ولا تطبق على من يقيم خارج إقليم الدولة حتى ولو كان وطنياً.  ويؤسس مبدأ إقليمية القوانين على فكرة سيادة الدولة على أراضيها بحيث تسري القواعد القانونية على كل من يقيم على هذه الأراضي سواء كان وطنياً أم أجنبياً.
ثانياً:  مبدأ شخصية القوانين:
   يقصد بمبدأ شخصية القوانين أن القواعد القانونية تطبق على الوطنيين فقط أي المنتمين لجنسية الدولة أياً كان محل إقامتهم سواء على أرض الدولة أم خارجها.  ويؤسس مبدأ شخصية القوانين على فكرة عدم المساس بعقائد وتقاليد الأجانب المقيمين على أرض دولة معينة على اعتبار أن مبدأ إقليمية القوانين قد يؤدي إلى المساس بها.
   يتضح من خلال ما تقدم أن الأخذ بمبدأ دون الآخر لا يعد كافياً لأن الأخذ بمبدأ إقليمية القوانين لوحده قد يؤدي إلى المساس برعايا دولة أخرى.  كما أن الأخذ بمبدأ شخصية القوانين لوحده قد يؤدي إلى مخالفة النظام العام والآداب العامة داخل الدولة.  لذلك فإن الدول تأخذ بالمبدأين معاً، بحيث يعتبر مبدأ إقليمية القوانين هو الأصل ومبدأ شخصية القوانين هو الاستثناء، بمعنى أن الأصل  أن يسري القانون إقليمياً على كل من يقيم على أرض الدولة واستثناءً على ذلك قد يطبق القانون تطبيقاً شخصياً بحيث يمتد القانون الوطني ليطبق على الوطني خارج إقليم الدولة أو لا يطبق القانون الوطني على الأجانب المقيمين داخل الدولة لاعتبارات معينة.

نطاق سريان القواعد القانونية من حيث الزمان
   يثير موضوع نطاق سريان القواعد القانونية من حيث الزمان مشكلة تتنازع القوانين أي تنازع القانون الجديد مع القانون القديم.  فالقواعد القانونية التشريعية لا تسري إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية ومضى شهر على النشر فتدخل بذلك حيز النفاذ والتطبيق، بحيث تطبق على الوقائع والتصرفات التي تتم بعد نفاذه، فمثلاً إذا صدر قانون ينظم عقد البيع فيسري هذا القانون على كل عقود البيع التي تعقد بعد نفاذه، أما الوقائع والتصرفات القانونية التي تمت في ظل القانون القديم وأنتجت آثارها وانتهت فتكون محكومة بالقانون القديم ولا يسري عليها القانون الجديد تطبيقاً لمبدأ مشهور في عالم القانون وهو مبدأ عدم رجعية القوانين، أي أن القانون لا يسري بأثر رجعي على الماضي بل يطبق بأثر فوري على الوقائع والتصرفات التي تتم بعد نفاذه.
    ولا تسير الأمور بهذه السهولة فقد ينشأ مركز قانوني في ظل قانون معين وقبل أن ينتهي في إحداث آثاره يصدر قانون جديد يتضمن تنظيماً أو ترتيباً مغير لما هو عليه الحال وفق القانون القديم الذي نشأ المركز القانوني في ظله، ففي هذه الحالة هل تظل آثار المركز القانوني الذي نشأ في ظل القانون القدي محكومة به أم يطبق القانون الجديد على هذه الآثار؟  ومثال ذلك أن يوجد قانون يحدد مدة التقادم المكسب بخمس عشرة سنة ويضع شخص يده على أرض غيره لمدة عشر سنوات ثم يصدر قانون جديد يحدد مدة التقادم المكسب بعشرين سنة، فهل يبقى القانون القديم مطبقاً على هذا المركز القانوني بحيث يبقى للحائز للأرض مدة خمس سنوات لإكتساب ملكية الأرض بالتقادم أم يطبق القانون الجديد بحيث يبقى للحائز عشر سنوات لإكتساب ملكية الأرض بالتقادم؟  للإجابة على هذه التساؤلات وجد مبدأ عدم رجعية القانون الجديد والأثر الفوري له، كما وجد استثناء يرد عليه.
أولاً:  مبدأ عدم رجعية القانون الجديد والأثر الفوري له:
    نص مشروع القانون المدني الفلسطيني صراحة على مبدأ عدم رجعية القانون الجديد والأثر الفوري له، وذلك في المادة (7) لاتي جاء فيها:  "يعمل بالقانون من تاريخ نفاذه ولا يسري على ما سبقه من الوقائع إلى بنص صريح يقضي بذلك"
    ومقتضى هذا المبدأ أن القانون الجديد لا يسري بأثر رجعي على ما تم من وقائع مادية وتصرفات قانونية وما ترتب من آثار عليها قبل نفاذه، وإنما يسري بأثر فوري ومباشر على الوقائع المادية والتصرفات القانونية والآثار المترتبة عليها من تاريخ نفاذه حتى ولو كانت هذه الآثار ناتجة عن مركز قانوني نشأ في ظل القانون القديم، حيث تبقى الآثار التي ترتب صحيحة وفقاً للقانون القديم أما الآثار المتتابعة التي تترتب بعد ذلك في ظل القانون الجديد فيسري عليها القانون الجديد.
     فمثلاً إذا اتفق شخصين على سعر فائدة مقدار 10% في ظل قانون يجيز هذه النسبة من الفائدة ثم صدر قانون جديد يحدد الحد الأقصى للفائدة ب 7%، فإن ما تم دفعه أو استحقاقه من فوائد قبل نفاذ القانون الجديد يكون صحيح، أما ما ترتب من فوائد بعد نفاذ القانون الجديد فيخفض إلى 7% إذا تضمن القانون نصاً يقضي بغير ذلك أي يقضي بعدم سريان هذا القانون على الاتفاقات التي عقدت قبل نفاذه.
    وتتمثل الحكمة من اعتناق مبدأ عدم رجعية القوانين والأثر الفوري لها في تحقيق العدالة وإشاعة الثقة في القانون مما يحقق الاستقرار في المجتمع، حيث ليس من العدل أن يطبق قانون على مركز قانون تم وانتهي قبل نفاذ هذا لقانون.
ثانياً:  الاستثناء على مبدأ عدم رجعية القوانين:
   يطبق القانون الجديد بأثر رجعي على الماضي إذا نص المشرع على ذلك صراحة في القانون الجديد، وينص المشرع على سريان القانون الجديد بأثر رجعي على الماضي من باب السخط على القواعد القانونية القديمة، حيث لا يكتفي بتعديلها أو تغييرها بل يهدف إلى اقتلاع الأوضاع القديمة التي نشأت وانقضت في ظل القانون القديم.
    وهذا الاستثناء الذي أعطى للمشرع يرد عليه قيد يتمثل بعدم جواز النص على سريان القوانين الجنائية بأثر رجعي لأن هذه القوانين يحكمها مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.  إلا أن القانون الجنائي الجديد يسري بأثر رجعي على الماضي ودون الحاجة إلى نص صريح إذا كان أصلح للمتهم، ويكون أصلح للمتهم في حالتين وهما:
1-  إذا كان القانون الجنائي الجديد يبيح فعلاً كان يعتبر جريمة وفقاً للقانون القديم، وفي هذه الحالة يطبق القانون الجنائي الجديد على الماضي حتى ولو كان قد صدر حكم نهائي على المتهم ونفذ العقوبة كلها أو بعضها، حيث يوقف تنفيذ العقوبة وتنتهي كل الآثار المترتبة على الحكم.
2-  إذا كان القانون الجنائي الجديد يخفف من العقوبة المقررة في القانون القديم، ويشترط في هذه الحالة لسريان القانون الجديد بأثر رجعي على الماضي ألا يكون قد صدر حكم نهائي على المتهم، فإذا كان قد صدر حكم نهائي على المتهم فلا يسري القانون الجديد على هذا المتهم رغم أنه أصلح له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot

المشاركات