مفهوم علم المالية العامة وعلاقته بالعلوم الأخرى
ارتبط دور المالية العامة بدور الدولة زما تعتنقه من المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد تطور هذا العلم من علم يبحث في نفقات وإيرادات الدولة في ظل نظريات اقتصادية تحد من دور الدولة في النشاط الاقتصادي في الدولة الرأسمالية، إلى إعطاء الدولة دوراً أكبر في النشاط الاقتصادي.
أولاً: مفهوم علم المالية العامة
يعتبر علم المالية العامة جزءاً من علم الاقتصاد والاقتصاد يدرس كيفية توزيع الموارد الاقتصادية المتاحة بين الاستخدامات المختلفة من أجل إشباع الحاجات الإنسانية، سواء كانت للفرد أو للمجتمع. والحاجات الإنسانية نوعان:
النوع الأول: حاجات خاصة: وهي تلك التي تتعلق بحاجات الفرد، سواء كان مستهلكاً أو منتجاً. ويقوم القطاع الخاص بإشباع تلك الحاجات عن طريق إنتاج السلع الخاصة.
والنوع الثاني: الحاجات العامة: وهي حاجات تهم المجتمع كله. وباعتبار الحكومة ممثلة عن المجتمع، تكون هي المسؤولة عن إشباع الحاجات العامة. ومن أجل القيام بهذه المهمة لابد للحكومة أن تحصل على تلك الموارد الاقتصادية في صورة تدفقات مالية تسمى بالإيرادات العامة. واستخدام الحكومة للإيرادات العامة يتم على هيئة نفقات عامة تمثل تكاليف إشباع الحاجات العامة.
والمجال الذي يدور حوله علم المالية العامة هو النشاط المالي للحكومة. ويتعلق هذا النشاط بالإيرادات والنفقات الحكومية. وقد اختلف نطاق هذا العلم وفقاً لتطور دور الدولة في الناشط الاقتصادي. وفي هذا الصدد يمكن التمييز بين مدرستين اقتصاديتين في ظل النظام الاقتصادي الرأسمالي هما: المدرسة التقليدية والمدرسة الحديثة.
فالتقليديون -ومنهم آدم سميث وديفيد وريكاردو- كانوا ينظرون للدولة نظرة الحارس للمصالح العامة الأساسية واللازمة لقيام المجتمع. وهذا يقتضي آلا تتدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي للمجتمع، لأن ذلك التدخل سوف يترتب عليه آثار سلبية على كفاءة استخدام الموارد في المجتمع. وتتحقق كفاءة الناشط الاقتصادي من وجهة نظرهم إذا ما ترك أفراد المجتمع دون تدخل في التأثير على قراراتهم الاقتصادية. ويتم هذا بعدم التدخل بقوى العرض والطلب التي تعمل في نظام السوق الذي تتوافر فيه شروط المنافسة الكاملة. وانعكس هذا المفهوم التقليدي لدور الدولة في تحديد نطاق علم المالية العامة. ووفقاً لذلك انحصر علم المالية العامة في دراسة الوسائل التي تحصل فيها الدولة على الموارد المالية اللازمة لتغطية النفقات العامة المحدودة. وعلى الدولة أن تقوم بتوزيع عبء الإيرادات العامة توزيعاً عادلاً بين أفراد المجتمع.
وعلى ذلك أصبح للمالية العامة من وجهة نظر المدرسة التقليدية خصائص مميزة أهما:
1. أن النشاط المالي للحكومة يجب أن يكون محايداً. وهذا يعني أن الدولة لا تستهدف من وراء تحصيلها للإيرادات العامة واستخدامها للأموال العامة تحقيق أية أهداف اقتصادية أو اجتماعية. ومن ثم لا يكون لنشاطها المالي أي تأثير على أسعار السلع والخدمات التي يحددها نظام السوق الذي تتوافر فيه شروط المنافسة الكاملة. ووفقاً للنظرة التقليدية فإن دور الدولة يقتصر على توفير الخدمات العامة للازمة لقيام المجتمع مثل الدفاع ولأمن والعدالة وبعض الأعمال العامة التي لا يترتب على توفيرها تغيير في الأسعار النسبية للسلع والخدمات، وبالتالي لا تسبب أضراراً للنشاط الاقتصادي. وكان الاعتقاد السائد عند التقليديين أن نظام السوق الذي تتوافر فيه شروط المنافسة الكاملة يتمكن من تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع. وهذا يعني أن نظام السوق من خلال التفاعل الحر لقوى العرض والطلب يحقق للمجتمع أفضل النتائج الممكنة، أي أنه يحقق الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة. بالإضافة إلى تمكن السوق من إعادة التوازن إذا ما حدث أي خلل في النشاط الاقتصادي.
2. أن يكون النشاط المالي للحكومة بأقل تكلفة ممكنة. وهذا يعني أن تكون الأعباء المالية على أفراد المجتمع، والمترتبة على اقتطاع الحكومة لجزء من موارد الأفراد أقل ما يمكن. وهذا يتناسب مع مبدأ الحرية الاقتصادية التي نادت به المدرسة التقليدية؛ حيث اعتقد التقليديون أن الفرد أكفأ من الدولة في استخدام الموارد الاقتصادية. فمن أجل كفاءة استخدام موارد المجتمع لابد أن يترك للفرد أكبر قدر ممكن من تلك الموارد، ويكون ذلك عن طريق تخفيض عبء الضريبة عليه إلى الحد الأدنى.
3. ويرى التقليديون وجوب توازن الميزانية العامة أي أن تتعادل الإيرادات العامة مع النفقات العامة. وبعبارة أخرى، فقد عارضوا وجود فائض أو عجز في الميزانية العامة، وكان تبريرهم لذلك أن وجود فائض في الميزانية يعني زيادة العبء المالية على أفراد المجتمع. أي أن زيادة الإيرادات على النفقات العامة تنتج من ارتفاع حجم الاقتصاد الحكومي من موارد الأفراد من خلال فرض الضرائب المرتفعة. وأن وجود فائض من الأموال تحت السيطرة الحكومة يدفعها إلى التبذير في استخدام تلك الموارد المالية، وإنفاقها في أوجه أقل كفاءة مما لو تركت بيد الأفراد. حيث كان التقليديون ينظرون إلى استخدام الدولة للموارد الاقتصادية على أنه استخدام استهلاكي، وأن الدولة لا تسهم في العملية الإنتاجية، حيث إن ذلك متروك للقطاع الخاص.
وبالمثل عارض التقليديون وجود عجز في الميزانية العامة، أي زيادة النفقات على الإيرادات العامة. حيث يتم تغطية هذا العجز بصورة رئيسية عن طريق الاقتراض من الوحدات الاقتصادية في المجتمع. اي أن القروض العامة تعتبر من وجهة نظر التقليديين إهداراً للمدخرات القومية، وخاصة أنهم يعتبرون استخدام الدولة لتلك الموارد المتأتية من القروض تكون في أغراض استهلاكية. والموارد المالية المقترضة من أوجه استثمارية من قبل الأفراد. ومن ثم إذا ما تركت هذه الموارد بيد الأفراد فإنها ستؤدي إلى زيادة إمكانية المجتمع الإنتاجية.
لاشك أن المرتكز النظري للمدرسة التقليدية يقوم على أساس افتراضات محددة. وأن توافر تلك الافتراضات يجعل نظام السوق يحقق الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة للمجتمع. وكفاءة عمل نظام السوق يعتمد على فرضية توافر شروط المنافسة الكاملة في النظام الاقتصادي. وفي واقع الأنظمة الرأسمالية التي اتبعت المبادئ الأساسية للمدرسة التقليدية لم تتوافر فيها شروط المنافسة الكاملة في أي حال من الأحوال. وبالتالي، فإن نظام السوق لم يعمل بكفاءة ولم يؤدي إلى أمثل استخدام للموارد الاقتصادية. وبعبارة أخرى فإن نظام السوق لا يتمكن من تحقيق التوازن التلقائي والاستقرار في الاقتصاد كما كان يتوقع التقليديون.
لذا نجد من الناحية العملية أن معظم الاقتصاديات الرأسمالية تعرضت خلال تاريخها لتقلبات اقتصادية مستمرة، ولم يتمكن نظام السوق من معالجتها بصورة رئيسية ونهائية. وكانت أزمة الكساد الكبير في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي نقطة تحول في الفكر الاقتصادي. حيث بدأ الاقتصاديون يمعنون النظر في أسباب ذلك الكساد والبحث عن العوامل التي أدت إليه. وكان من نتائج ذلك ظهور المدرسة الحديثة في الفكر الاقتصادي، حيث خرجت إلى الوجود "النظرية العامة للعمالة والفائدة والنقود" على يد الاقتصادي كينز عام 1936م.
والمدرسة الاقتصادية الحديثة اهتمت بدراسة النشاط الاقتصادي على مستوى المجتمع كله، والعوامل التي تحدد مستواه، ومن ثم كان التركيز على دراسة المتغيرات الاقتصادية الكلية: مثل الدخل القومي، الناتج الكلي، الاستهلاك، الاستثمار، الادخار. وقد أوضح التحليل الاقتصادي الكلي العلاقات التي تربط بين المتغيرات الاقتصادية الكية، والعوامل التي تؤثر على كل متغير في إطار نموذج متكامل أعطى بعداً جديداً لدور الدولة في النشاط الاقتصادي. وقد اختلفت النظرة إلى الدولة وفقاً لهذا التحليل الاقتصادي، إذ اعتبرت وحدة اقتصادية مهمة يمن أن تقوم بدور مهم في التأثير على المغيرات الاقتصادية الأخرى، وبالتالي على النشاط الاقتصادي.
وتعتبر الأدوات المالية من الأدوات الرئيسية التي يمكن للدولة من خلال استخدامها لتلك الأدوات أن تؤثر على النشاط الاقتصادي بالشكل المرغوب فيه. ومن ثم فإن التحليل الاقتصادي الحديث أبرز أهمية دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وبالتالي أهمية المالية العامة. وأصبح مفهوم المالية العامة وفقاً للمفهوم الاقتصادي الحديث هو دراسة لاقتصاديات القطاع العام بحيث يتناول كيفية استخدام أدوات المالية العامة في التأثير على النشاط الاقتصادي من أجل تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية معينة.
وطالب كينز بتدخل الدولة وبقوة في التأثير على الطلب الكلي، وذلك لأن الطلب الكلي يتعرض لتقلبات كثيرة، ويرجع كينز أسباب تقلبات الطلب اكلي وعدم استقرار مستوى الاستثمار والتوقعات، فالاستثمار لا يتوقف على سعر الفائدة، وإنما أيضاً على توقعات الأرباح والعوائد من الاستثمار في المستقبل، والمرجح نتيجة لذلك أن يكون الاقتصاد عرضة للتقلبات الاقتصادية يترواح بين أوضاع الكساد، وأوضاع التضخم. غير أن كينز قيد تدخل الدولة وحدده في حالتين اثنتين: حال الكساد، وحالة التضخم.
ففي الحالة الأولى: إذا كان الاقتصاد يمر بمرحلة كساد دوري ويعاني من بطالة وانخفاض مستوى الطلب، وتعطل في الطاقة الإنتاجية، فيتعين على الدولة في هذه الحالة أن تطبق حزمة من السياسات النقدية والمالية يكون من شأنها رفع مستوى الطلب الكلي وحقن الاقتصاد بجرعات منشطة.
لهذا دعى كينز إلى تخفيض سعر الفائدة حتى تنخفض تكاليف الإنتاج، ويزيد الحافز على الاستثمار، ونادى بتخفيض الضرائب، وزيادة تيار دخول جديدة، وهذه تؤدي بدورها إلى زيادة حجم الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية، وإن أدى ذلك إلى التضحية بمبدأ توازن الميزانية للدولة وإحداث عجز منظم في الميزانية.
أما في الحالة الثانية: عندما يمر الاقتصاد بفترات التضخم، يكون الطلب أكبر من العرض الكلي، أي أن الطب الكلي يفوق قدرة الاقتصاد على خلق السلع والخدمات في الأجل القصير عند مستوى التشغيل الكامل، وما يولده هذا الوضع من ضغوط تضخمية تمارس آثارها على الدخول والأسعار والقوة الشرائية للعملة... فإنه لمواجهة هذه الحالة ينبغي تطبيق حزمة من السياسات المالية والتقديرية يكون من شأنها تقييد الطلب من خلال زيادة الضرائب، وزيادة أسعار الفائدة، وخفض الإنفاق العام الجاري والاستثماري على نحو يؤدي إلى امتصاص جزء من القوة الشرائية وحجزه عن التداول، وتكوين فائض في الميزانية العامة إلى الحد الذي يوقف الضغوط التضخمية ويعود للنظام استقراره الاقتصادي.
على أن دور الدولة لم يقتصر على علاج الأزمات الدورية واختلال التوازن بين العرض والطلب الكلي، وإنما امتد - وخاصة بعد كينز - ليشمل بالإضافة إلى الاستقرار الاقتصادي مسائل النمو، والرفاهية وإعادة توزيع الدخل القومي على نحو يحد من التفاوت الشديد في الدخول والثروات.
هذه التطورات في الفلسفة الاقتصادية وفي دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي أدت إلى تطورات موازية في مفهوم المالية العامة، حيث اتسع نطاق المالية العامة ليشمل دراسة اقتصاديات القطاع العام واستخدام أدوات المالية العامة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تهم المجتمع ككل مثل تحقق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية وإعادة توزيع الدخل والثروة.
وفي ظل المفهوم الحديث للمالية العامة تصبح الخصائص المميزة لها ما يلي:
1. عدم حيادية المالية العامة: حيث أصبح الغرض من الإيرادات العامة والنفقات العامة ليس مقصوراً على الوظائف التقليدية، بل أصبحت المالية العامة بالإضافة إلى ذلك أداة فعالة لتحقيق أهداف الدولة الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن التأثير في حجم الدخل القومي وفي كيفية توزيعه بين الفئات الاجتماعية كما يمتد تأثيرها إلى قضايا التنمية والنمو ومعالجة أوضاع البطالة ومكافحة التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
2. التخلص عن مبدأ توازن الموازنة العامة: حيث أصبح هدف الموازنة العامة ليس ضمان التوازن المالي، وإنما ضمان تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، حتى ولو اقتضى الأمر الخروج على مبدأ توازن الموازنة والإلتجاء إلى إحداث عجز منظم في الموازنة العامة أو تحقيق فائض بحسب طبيعة المشكلات الاقتصادية التي يواجهها المجتمع. اي أن مبدأ التمويل بالعجز حل محل توازن الموازنة كأداة للقضاء على البطالة والكساد وتحقيق التوازن للاقتصاد القومي عند مستوى العمالة الكامل.
3. تزايد اهمية الإيرادات غير الضريبية كالقروض العامة الإصدار النقدي الجديد لتمويل النفقات العادية، استهلاكية واستثمارية، أو التخفيف من عبء الدين العامة أو لتمويل عجز الموازنة العامة، وبالتالي لم تعد القروض شراً كما تصورته النظرة التقليدية، بل أصبح أداة مالية مهمة تستخدم في تعبئة المدخرات القومية والتكوين الرأسمالي والتنمية الاقتصادية.
ولذلك وباختصار يمكن القول أن المدرسة الحديثة اعتبرت أن الإيرادات العامة والنفقات العامة والدين العام أدوات الدولة للإشراف على مستوى الإنفاق القومي، وذلك بغية التشغيل الكامل واستقرار الأسعار.
ثانياً: علاقة علم المالية العامة بالعلوم الأخرى
سبق وأن وضحنا أن علم المالية العامة جزء من علم الاقتصاد. وعلم الاقتصاد متفرع من العلوم الاجتماعية التي تتعلق بالسلوك الإنساني. وبالتالي فإن وجود علاقة بين علم المالية العامة وبعض فروع علم الاجتماع أمر متوقع. وتتوثق العلاقة مع بعض العلوم أكثر من غيرها مثل علوم السياسة، والإدارة العامة، والقانون، والمحاسبة. وسنوجز بيان العلاقة بين علم المالية العامة وبعض هذه العلوم الاجتماعية.
1. المالية العامة وعلوم السياسة
هناك علاقة وطيدة وذات تأثير متبادل بين المالية العامة والعلوم السياسية إذ أن كليهما ذو ارتباط واضح بالنظام السياسي، والسلطة العامة وأجهزة الدولة ومؤسساتها. ولا شك أن النظام السياسي له تأثير كبير على النظام المالي في البلد. فإن شكل النظام السياسي يمكن أن يؤثر على حجم ونوع أدوات المالية العامة المستخدمة من قبل الدولة. فعلي سبيل المثال، من الملاحظ أن السياسات المالية المتبعة في النظم الاشتراكية تختلف عن تلك المتبعة في النظم الرأسمالية. وكذلك لو قرأنا النظم الديمقراطية والديكتاتورية لوجدنا اختلاقاً واضحاً في الاجراءات المالية المتبعة في كل بلد وأساليب الرقابة على النشاط المالية للدولة، زيادة على اختلاف التركيز في مجالات الإنفاق في كل نظام وبصورة عامة، تعكس السياسة المالية المتبعة اتجاهات السياسة العامة ومعالمها. وكثيراً ما تستخدم أدوات المالية العامة من أجل تحقيق أهداف سياسية مثل منح المساعدات الخارجية أو النفقات الحربة.
أما تأثير المالية العامة في المجال السياسي فواضح. إذ أن كثيراً من التغيرات السياسية سواء كانت على شكل ثورات أو عن طريق إصلاحات تعود في أصلها إلى أسباب مالية. بالإضافة إلى أن تطور المفهوم السياسي للديمقراطية كان بسبب تطور مفهوم الضريبة، وشعور أفراد المجتمع بعبء الضريبة، ومطالبتهم بعدم فرض ضريبة دون موافقة المجالس النيابية، وهذا هو محور المبدأ الذي برز في بريطانيا مما أعطى سلطات أوسع للهيئات التشريعية في مناقشة أعمال السلطة التنفيذية ومراقبتها.
وهناك اثار للمالية العامة على الأوضاع السياسية للبلد وعلاقاتها مع الدول الأخرى. فكثيراً ما تعرضت الدول لمشكلات سياسية، حتى إن بعضها فقد استقلاله ووقع تحت السيطرة الاستعمارية لدول أخرى، بسبب تدهور المركز المالي للدولة.
2. المالية العامة والقانون
في الماضي حين كان الفكر الاقتصادي التقليدي هو السائد في معظم الدول الرأسمالية آنذاك، كان اهتمام المالية العامة يتركز حول وضع القواعد التنظيمية (سواء كانت دستورية أو إدارية) التي تضمن تحصيل الموارد المالية اللازمة لتغطية النفقات العامة، وكيفية توزيع العبء الضريبي بطريقة عادلة بين أفراد المجتمع. ومن ثم نجد أن الدراسات القانونية كانت هي المسيطرة على علم المالية العامة في السابق.
هذا ولا تخفى علاقة علم المالية العامة بالأجهزة القائمة على الإجراءات المالية من سلطات تنفيذية، وسلطة تشريعية، وشخصيات عامة، كل هذا يجعل العلاقة بين المالية العامة والقانون وثيقة الصلة، وخاصة بالقانون العام (الدستوري، والإداري). حيث إن القانون هو الأداة السياسية في تقنين القواعد المالية العامة الواجب اتباعها من قبل السلطات العامة، وكذلك القضايا التي تتعلق بالحقوق الخاصة بالأفراد، مثل فرض الضرائب على دخوله وملكياتهم، أو توزيع ثرواتهم. وهذا يجعل هناك علاقة بين المالية العامة والقانون الخاص.
وإجمالاً فإن جميع الإجراءات المالية للدول توضع في قالب قانوني، ولا يكون لأدوات المالية العامة أية أهمية او اعتبار إلا إذا صدرت على شكل قوانين. ومجموع هذه القوانين التي تتعلق بالشؤون المالية للدول تسمى التشريع المالي. وهذا التشريع جزء لا يتجزأ من القوانين المعمول بها في أي بلد. ويتم تفسير التشريع المالي وتطبيقه على القواعد العامة المتبعة في تفسير سائر القوانين وتطبيقها.
3. المالية العامة والمحاسبة
تتطلب دراسة المالية العامة الإلمام بأصول المحاسبة والمراجعة والتكاليف، وخاصة عند إعداد الميزانية العامة وتنفيذها ومراقبتها. وكذلك في الإدارة الضريبية لابد من توافر الخبرات بأصول فن المراجعة، وعمل الحسابات الختامية لما يلزم من حساب استهلاكات الأصول، وجرد الاحتياطيات. وتزداد أهمية المحاسبة في المالية العامة كلما زاد دور الدولة في النشاط الاقتصادي. حيث يزداد عدد المؤسسات والهيئات العامة التي يكون لها ميزانيات مستقلة أو ملحق. وكل هذا يزيد من الحاجة إلى محاسبة التكاليف في تقويم المشروعات العامة، وكذلك عمل الميزانيات والحسابات الختامية لهذه المؤسسات والهيئات العمة، ومراجعة حساباتها حتى يتم تقويمها على أسس موضوعية. وجدير بالذكر أن كثيراً من فروع المحاسبة ترتبط مباشرة بالمالية العامة مثل المحاسبة الحكومية، والمحاسبة الضريبية، ومحاسبة الزكاة.
زيادة على ما سبق، فإن علم المالية العامة يستعين بعدد من العلوم الأخرى مثل الإحصاء والأساليب الكمية. إذ لا غنى لطالب علم المالية العامة الإلمام بمثل هذه العلوم لأهميتها البالغة عند دراسة ووضع السياسات المالية اللازمة لتحقيق أهداف معينة. بالإضافة إلى الاستعانة بعلم الأخلاق، وخاصة عند وضع القواعد الخاصة بمبدأ العدالة، سواء عدالة توزيع الأعباء الضريبية أو عدالة توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع. وعلاقة المالية العامة بعلم النفس، حيث إن هناك أموراً تتعلق بسلوك الفرد، ورد فعله تجاه المتغيرات المالية التي تقوم بها الحكومة، وخاصة الضرائب حيث يكون لها تأثيرات مختلفة على حوافز الأفراد، مما يستلزم دراسة وافقة للدوافع الإنسانية، حتى يتم معرفة أثر ذلك التغير في الأدوات المالية.
وأخيراً يمكن القول أن علم المالية العامة قد ارتبط من حيث النشأة والتطور بعلم الاقتصاد السياسي الذي أرسى قواعده وأصوله العملية الاقتصاديون التقليديون، مؤسسوا المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية، أمثال آدم سميث، وديفيد ريكاردو، وجون استيورات ميل، في أواخر القرن الثامن عشر وأول القرن التاسع عشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق